الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

عقيدة الوهابية ان الرويا حقيقية لله تعالى

مجلد 3 / 241 - من كتاب التأسيس في الرد على أساس التقديس - مخطوط ، لابن تيمية :
قال ابن تيمية :
(..الذي هو نوره الذي إذا تجلّى فيه لم يدركه شيء . وفي هذا الخبر من رواية ابن أبي داود أنه سُئل ابن عباس : هل رأى محمد ربّه ؟
قال : نعم .
قال : وكيف رآه ؟!.
قال : في صورة شاب دونه ستر من لؤلؤ ، كان قدماه في خضرة .
فقلت لابن عباس : أليس في قوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير) .
قال : لا أمّ لك !! ، ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلّى بنوره لا يدركه شيء .
وهذا يدل على أنه رآه ، وأخبر أنه رآه في صورة شاب دونه ستر ، وقدماه في خضرة .
وأن هذه الرؤية هي المعارضة بالآية ، والمُجاب عنها بما تقدّم ، فيقتضي أنها رؤية عين !!! كما في الحديث الصحيح المرفوع عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رايتُ ربي في صورة أمرد له وفرة جعد قطط في روضة خضراء .
الوجه الرابع : أن في حديث عبدالله بن أبي سلمة ؛ أن عبدالله بن عمر أرسل إلى عبدالله بن عباس يسأله : هل رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة ؟ ، كما تقدّم ، ولكون حملة العرش على هذه الصور الأربع هو كذلك .
الوجه الخامس : أنه ذكر أن الله اصطفى محمداً بالرؤية كما اصطفى موسى بالتكليم ، ومن المعلوم أن رؤية القلب مشتركة ..
( لاتختص) ..
مجلد 3 / 241 مخطوط

اصل علماء اهل السنه من بلاد فارس .

اصل علماء اهل السنه

 ابو حوراء التميمي

 اصل علماء اهل السنه من بلاد فارس

 من العجيب اننا نسمع في الاونة الاخيرة ان علماء الشيعة ولسان الشيعة واصل التشيع هو فارسي فأحببت ان اورد لكم من هم الفارسيون عن بحث ورد في هذا الامر وعن بعض ما نقلت من ما استفدت به من بعض الاخوة فنبدأ بأسمه تعالى

أئمة المذاهب الاربعة :

1.      الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي وهو مولى لبني تيم الله ومولده بالكوفة
2.      الإمام الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع مولى أبي لهب وقد طلب من الخليفة عمر أن يجعله من موالي قريش فامتنع ، فطلب بعدها من الخليفة عثمان ذلك ففعل فهو من موالي قريش وقد ذكر ذلك كل من الرازي في كتابه مناقب الشافعي وأبو زهرة في كتابه المعروف الإمام الشافعي
3.      الإمام مالك بن أنس بن مالك ذهب كل من ابن عبد البر صاحب الإستيعاب في كتابه الإنتقاء والواقدي محمد بن إسحاق والسيوطي في تزيين الممالك إلى أنه مولى من موالي بني تيم وليس بعربي
4.      الإمام أحمد بن حنبل وهو العربي الوحيد في المذاهب وينتمي إلى بكر بن وائل على أنه هناك من يروي أن الثلاثة الأوائل أيضا عرب ولكن ظروف الروايات لا تخفى على الناقد وبوسع أي باحث تقييم تلك الروايات والانتهاء لرأي معين 

اصحاب الصحاح

1.      البخاري محمد بن إسماعيل بن إبراهيم صاحب الصحيح الشهير : أعجمي .
2.      الترمذي ابن عيسى بن سورة الضرير تلميذ البخاري أعجمي .
3.      محمد بن يزيد بن ماجة مولى ربيعة ، أعجمي .
4.      أحمد بن علي بن شعيب النسائي نسبة لمدينة نسا بخراسان ، أعجمي .
5.      سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني وهي بلدة بقرب هراة : ينسب إلى الأزد ولم ينصوا أن النسبة بالأصل أم بالولاء يبقى انتماؤه إلى بلد أعجمي .
6.      مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري أعجم الرواة


إن معظم رواة الأحكام والأخبار ومعظم الفقهاء والمفسرين هم من الفرس ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

1.      مجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وسعيد بن جبير . ومجاهد وعكرمة ممن يعتمد عليه البخاري والشافعي ويوثقه ويأخذ بمروياته جملة وتفصيلا.
2.      الليث بن سعد تلميذ يزيد بن حبيب والذي يعتبر مؤسس المدرسة العلمية الدينية بمصر ويقول عنه الشافعي الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به وهو فارسي من أهل أصفهان
3.      ومنهم ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك وهو ابن عبد الرحمن بن فروخ من أهل فارس
4.      ومنهم طاووس بن كيسان الفارسي ترجم له الشيرازي في طبقات الفقهاء
5.      ومنهم البيهقي صاحب السنن الذي قيل عنه : للشافعي فضل على كل أحد إلا البيهقي .
6.      ومنهم مكحول بن عبد الله مولى بني ليث،
7.      ومحمد بن سيرين مولى أنس ابن مالك،
8.      والحسن البصري الذي قيل عنه إنه أشبه الناس بعمر بن الخطاب على حد تعبير الشيرازي في الطبقات
9.      ومنهم الحاكم صاحب المستدرك وعبد العزيز الماجشون الأصفهاني مولى بني تميم
وعاصم بن علي بن عاصم مولى بني تيم ومن شيوخ البخاري
10.  وعبد الحق بن سيف الدين الدهلوي صاحب مقدمة في مصطلح الحديث
11.  وعبد الحكيم القندهاري شارح البخاري في حاشيته
12.  وعبد الحميد الخسروشاهي صاحب اختصار المذاهب في الفقه الشافعي .
13.  وعبد الرحمن رحيم مولى بني أمية ومحدث الشام على مذهب الأوزاعي
14.  وعبد الرحمن العضد الإيجي صاحب كتاب المواقف
15.  وعبد الرحمن الجامي صاحب فصوص الحكم
16.  وعبد الرحمن الكرماني رئيس الأحناف بخراسان وصاحب شرح التجريد
17.  وشيخي زاده صاحب كتاب مجمع الأنهار عبد الرحمن
18.  وأحمد بن عامر المروزي صاحب كتاب مختصر المزني
19.  وسهل بن محمد السجستاني صاحب كتاب إعراب القرآن
20.  ومحمد بن إدريس أبو حاتم الرازي الذي يعد بمستوى البخاري
21.  وأبو إسحاق الشيرازي صاحب كتاب التشبيه
22.  وعبد الله بن ذكوان أبو الزناد عالم المدينة بالفرائض والفقه وممن روى عنه مالك والليث
23.  وأحمد بن الحسين شهاب الدين الأصبهاني صاحب كتاب غاية الاختصار
24.  ويعقوب بن إسحاق النيسابوري صاحب المسند الصحيح المخرج على كتاب مسلم بن الحجاج
25.  وأحمد بن عبد الله أبو نعيم صاحب الحلية
26.  وابن خلكان صاحب وفيات الأعيان
27.  وأحمد بن محمد الثعلبي المفسر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

لا يزل أصحاب الأفق الضيقه والعقول المتحجرة من خوارج العصر يحاولون إلصاق التشيع بالفرس برغم من أن التشيع موجود في الدول العربية فعلى سبيل المثال:

1.       الفاطميون في مصر في القرن الثالث
2.      والحمدانيون في حلب كانوا موجودين في القران الرابع بينما طوال هذا الفترة كانت إيران كلها سنه بل ان بعض المؤرخين يذكر بأن الفرس كانوا يسبون الإمام علي بن أبي طالب على منابرهم وفق سنه معاوية  واستمر الحال في إيران على سب الإمام علي حتى بعد ان نهى عنها عمر بن عبد العزيز.   وإيران تشيعت في القرن العاشر الهجري على يد الشاه إسماعيل الصفوي

 

وبقي علماء السنة كلهم ولكم الحصيلة:

1.      أكبر المفسرين وأقدمهم الامام الزمخشري فارسي

2.      أكبر المحدثين الامام البخاري فارسي

3.      ومن كبار المحديثين والذى كتابه لا يقل منزله عن البخاري الامام مسلم فارسي

4.      مؤسس مذهب الحنفية ابا حنيفة فارسي

5.        إمام النحو سيبوية فارسي

6.      إمام المتكلمين واصل بن عطاء فارسي

7.      إمام اللغة الفيروز ابادي صاحب القاموس المحيط فارسي

8.      إمام العزالي فارسي

9.      الرازي فارسي

10.  ابن سيناء فارسي

11.  ابن رشد فارسي

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

جمع القرآن في عهد عثمان

جمع القرآن في عهد عثمان


روى البخاري عن أنس: "أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك ؛ فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن، فأكتبوه بلسان قريش، فإنّه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كلّ أُفقٍ بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلِّ صحيفةٍ ومصحفٍ أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنتُ أسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الاَنصاري: ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)) (الأحزاب 33: 23) فألحقناها في سورتها في المصحف"1.
وهناك صور مختلفة وألفاظ شتّى لهذه الرواية، والملاحظ عليها جميعاً:
1 - كيف تفقد آية من سورة الاَحزاب، وقد اعتمد عين الصحف المودعة عند حفصة، والكاتب في الزمانين هو زيد بن ثابت؟ وقد كانت النسخة المعتمدة أصلاً كاملة إلاّ آخر براءة - كما تقدم - فهل كان الجمع الأول فاقداً لهذه الآية التي من الأحزاب ولسواها؟ أم أنّهم لم يعتمدوا النسخة التي عند حفصة؟ وهل ليس ثمة مصاحف وحفّاظ لهذه الآية إلاّ رجل واحد؟! من هذه الرواية وسواها تسرب الشكّ وبرزت الشبهة للذين يحلو لهم القول بتحريف القرآن، وقد رأيت أنّ مستندهم ضعيفٌ متهافتٌ لا يمكن الاعتماد عليه، ولا أدري هل من قبيل المصادفة أنّ الآية تضيع في زمان أبي بكر وتوجد عند خزيمة بن ثابت، وتضيع غيرها في زمان عثمان وتوجد عند خزيمة أيضاً، فهل كان خزيمة معدوداً في الذين جمعوا القرآن، أو الذين أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأخذ القرآن عنهم؟
2 - هذه الرواية ومثيلاتها مضطربةٌ في تعيين من تولى الكتابة لمصحف عثمان، وكذا الذي تولّى الإملاء، فصريح بعض الروايات أنّ عثمان عيّن للكتابة زيداً وابن الزبير وسعيداً وعبد الرحمن، وصريح بعضها الآخر أنّه عيّن زيداً للكتابة، وسعيداً للإملاء، وصريح بعضها أنّ المملي كان أُبي بن كعب، وأنّ سعيداً كان يعرب ما كتبه زيد، وفي بعضها أنّه عيّن رجلاً من ثقيف للكتابة، وعين رجلاً من هذيل للاِملاء، وعن مجاهد: "أنّ المملي أُبي بن كعب، والكاتب زيد بن ثابت، والذي يعربه سعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث"2.
3 - الملاحظ في جميع هذه الروايات، وكذا في الرواية المذكورة آنفاً، أنّ زيد بن ثابت قد اعتمد رجلاً واحداً في الشهادة على الآية، وهو أمر باطلٌ ؛ لأنه مخالف لتواتر القرآن الثابت بالضرورة والإجماع بين المسلمين.
ونحن لا نريد التشكيك في أنّ عثمان قد أرسل عدّة مصاحف إلى الآفاق، وقد جعل فيها عين القرآن المتواتر بين المسلمين إلى اليوم، ولكنّنا نخالف كيفية الجمع التي وصفتها الأخبار ونكذّبها ؛ لأنها تطعن بضرورة التواتر القاطع، ولا يشكّ أحد أنّ القرآن كان مجموعاً ومكتوباً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدوناً قبل عهد عثمان بزمنٍ طويل، غاية ما في الأمر أنّ عثمان قد جمع الناس على قراءةٍ واحدةٍ، وهي القراءة المتعارفة بينهم والمتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنعهم من سائر القراءات الأخرى التي توافق بعض لغات العرب، وأحرق سائر المصاحف التي تخالف القراءة المتواترة، وكتب إلى الأمصار أن يحرقوا ما عندهم منها، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة.
قال الحارث المحاسبي: "المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجهٍ واحدٍ، على اختيارٍ وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والانصار، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات"3.
ولم ينتقد أحدٌ من المسلمين عثمان على جمعه المسلمين على قراءةٍ واحدةٍ ؛ لأنّ اختلاف القراءة يؤدّي إلى اختلاف بين المسلمين لا تحمد عقباه، وإلى تمزيق صفوفهم وتفريق وحدتهم وتكفير بعضهم بعضاً، غاية ما قيل فيه هو إحراقه بقية المصاحف حتى سمّوه: حَرّاق المصاحف، حيث أصرّ البعض على عدم تسليم مصاحفهم كابن مسعود.
وقد نقل في كتب أهل السنة تأييد أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) لما فعله عثمان من جمع المسلمين على قراءةٍ واحدةٍ، حيث أخرج ابن أبي داود في (المصاحف) عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ رضي الله عنه: "لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملاٍَ منّا" ؛ قال: "ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول: إنّ قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفراً". قلنا: "فما ترى؟" قال: "أرى أن يُجْمَع الناس على مصحف واحد، فلا تكون خرقة ولا اختلاف". قلنا: "فنعم ما رأيت"4!
وروي أنّه (عليه السلام) قال: "لو وليّت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان"5،
وبعد تأييد أمير المؤمنين (عليه السلام) وخيار الصحابة المعاصرين لهذا العمل، بدأ التحوّل تدريجياً إلى المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الآفاق، فاحتلّت مكانها الطبيعي، وأخذت بأزمّة القلوب، وبدأت بقيّة المصاحف التي تخالفها في الترتيب أو التي كُتِب فيها التأويل والتفسير وبعض الحديث والدعاء تنحسر بمرور الاَيام، أو تصير طعمة للنار، حتّى أصبحت أثراً بعد عين، وحفظ القرآن العزيز عن أن يتطّرق إليه أيّ لبس.
لقد تبيّن من ثنايا البحث أنّ جميع المزاعم التي تذرّع بها المتربصون بالإسلام للقول بتحريف القرآن الكريم والكيد بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تكفلت العناية الربانيّة بحفظه وصيانته، قد ذهبت أدراج الرياح، وما هي إلاّ كرمادٍ بقيعةٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصفٍ، من خلال الأدلة الحاسمة التي ذكرناها والتي تؤكّد عدم وقوع التحريف في الكتاب الكريم، وأنّه بقي وسوف يبقى بإذن الله مصوناً من كلِّ ما يوجب الشكّ والريب.، فقد وقف علماء الشيعة وعلماء أهل السنة عموماً من روايات التحريف موقفاً سلبياً، ورفضوا القول بمضمونها وفنّدوه بما لا مزيد عليه، ورأوا في هذه الأخبار أنّها أخبار آحاد لا يمكن الاعتماد عليها في أمر يمسّ العقيدة التي لابدّ فيها من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، ولا تكفي فيها الظنون ولا أخبار الآحاد. هذا بالإضافة إلى وجوه ضعف أُخرى تعاني منها هذه الأخبار، سواء من حيث دلالتها، أو من حيث ظروف صدورها، أو من حيث مرامي وأهداف وتوجّهات من صدرت عنهم. وفيما يلي نبين بعض أقوال علماء المسلمين التي تؤيد إجماع كلمة أهل الإسلام على نفي القول بوقوع التحريف في القرآن الكريم، وهذه الأقوال وسواها تقطع الطريق أمام كلّ محاولات الأعداء المغرضين والحاقدين ومن عداهم من السذّج والمغفّلين:
1 - الشيخ محمد محمد المدني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر: "أما أنّ الإمامية يعتقدون نقص القرآن، فمعاذ الله، وإنّما هي روايات رويت في كتبهم، كما روي مثلها في كتبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها، وبينوا بطلانها، وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك، كما أنّه ليس في االسنة من يعتقده، ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب (الإتقان) للسيوطي السُنّي ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحاً، أفيقال إنّ أهل السنة ينكرون قداسة القرآن، أو يعتقدون نقص القرآن لروايةٍ رواها فلان، أو لكتابٍ ألّفه فلان"6؟!
2 - الإمام المحقق رحمة الله الهندي: "إنّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الإمامية الإثني عشرية أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، وأنّه كان مجموعاً مؤلّفاً في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) وحَفَظه ونَقَله أُلوفٌ من الصحابة"7.
3 - الدكتور محمد التيجاني السماوي: "لو جبنا بلاد المسلمين شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وفي كل بقاع الدنيا، فسوف نجد نفس القرآن بدون زيادة ولا نقصان، وإن اختلف المسلمون إلى مذاهب وفرق وملل ونحل، فالقرآن هو الحافز الوحيد الذي يجمعهم، ولا يختلف فيه من الأمة اثنان"8.
4 - السيد عليّ الميلاني: "إنّ المعروف من مذهب أهل السنة هو نفي التحريف عن القرآن الشريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن"9.
5 - السيد جعفر مرتضى العاملي: "إنّنا لا يجب أن ننسى الجهد الذي بذله أهل السنة لتنزيه القرآن عن التحريف، وحاولوا توجيه تلكم الأحاديث بمختلف الوجوه التي اهتدوا إليها"10.
وغيرها من الشهادات الضافية التي لو ذكرناها جميعاً لطال بنا المقام، وجميعها تؤكّد أنّه ليس من أمرٍ اتفقت عليه كلمة المسلمين مثلما اتّفقت على تنزيه كتاب الله العزيز من كلِّ ما يثير الشكّ والريب قال تعالى: ((لا يأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَينِ يَديهِ وَلا مِنْ خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَميدٍ)) 11.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين




(1) صحيح البخاري 6: 315 | 9
(2) أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2: 43 ـ 52.
(3) الاتقان 1: 211.
(4) فتح الباري 9: 15.
(5) البرهان للزركشي 1: 302.
(6) مجلة رسالة الاِسلام ـ القاهرة السنة 11 العدد 44 ص 382 ـ 385.
(7) الفصول المهمة: 164 ـ 166.
(8) لاَكون مع الصادقين 168 ـ 176.
(9) التحقيق في نفي التحريف: 138.
(10) حقائق هامة: 34.
(11) فصلت 41: 42.

جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر

جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر


تتضارب الأخبار حول جمع القرآن في هذه المرحلة حتى تكاد أن تكون متكاذبة، وفيما يلي نورد بعضها لنبيّن مدى تناقضها ومخالفتها للأدلة التي ذكرناها آنفاً:
1 - عن زيد بن ثابت، قال: "أرسل إليِّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال عمر: هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتتبّع القرآن فاجمعه - فوالله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع غيره ((لقد جاءكم رسول...)) (التوبة 9: 128) حتّى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند عمر حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر"1.
2 - وعن زيد بن ثابت أيضاً، قال: "قُبِضَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن القرآن جمع في شيء"2.
3 - ورُوي "أنّ أوّل من سمّى المصحف مصحفاً حين جمعه ورتّبه أبو بكر - وفي رواية: سالم مولى أبي حذيفة3- وكان مفرّقاً في الأكتاف والرقاع. فقال لأصحابه: التمسوا له اسماً. فقال بعضهم: سمّوه إنجيلاً، فكرهوه. وقال بعضهم: سمّوه السفر، فكرهوه من يهود. فقال عبد الله بن مسعود: رأيتُ للحبشة كتاباً يدعونه المصحف، فسمّوه به"4.
4 - وعن محمد بن سيرين: "قُتِل عمر ولم يجمع القرآن"5.
5 - وعن الحسن: "أنّ عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان، فقُتِل يوم اليمامة، فقال: إنّا لله، وأمر بالقرآن فجمع، فكان أوّل من جمعه في المصحف"6.
هذه طائفةٌ من الروايات الواردة بهذا الخصوص، والملاحظ أنّ شبهة القول بالتحريف التي ذكرناها في أوّل بحث جمع القرآن مبتنيةٌ على فرض صحّة أمثال هذه الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن، والملاحظ أنّه لا يمكن الاعتماد على شيءٍ منها، وقد اعترف محمد أبو زهرة بوجود رواياتٍ مدسوسةٍ فيها، والقارئ لهذه الروايات وسواها يتلمّس نقاط ضعفها على الوجه التالي:
1 - اضطراب هذه الروايات وتناقضها، فصريح بعضها أنّ جمع القرآن في مصحف كان في زمان أبي بكر، والكاتب زيد، وأنّ آخر براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال أبو بكر: "اكتبوها، فإنّ رسول الله قد جعل شهادته بشهادة رجلين"7، وظاهر بعض هذه الروايات أنّ الجمع كان في زمان عمر، وأنّ الآتي بالآيتين خزيمة بن ثابت، والشاهد معه عثمان، وفي حديث آخر: "جاء رجلٌ من الأنصار وقال عمر: لا أسألك عليها بيّنة أبداً، كذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)"8. وفي غيره: فقال زيد: من يشهد معك؟ قال خزيمة: لا والله ما أدري. فقال عمر: أنا أشهد معه"9. وظاهر بعض هذه الروايات أيضاً أنّ الجمع تأخّر إلى زمان عثمان بن عفان.
واضطربت الروايات في الذي تصدّى لمهمّة جمع القرآن زمن أبي بكر، ففي بعضها أنّه زيد بن ثابت، وفي أُخرى أنّه أبو بكر نفسه وإنّما طلب من زيد أن ينظر فيما جمعه من الكتب، ويظهر من غيرها أنّ المتصدّي هو زيد وعمر، وفي أُخرى أن نافع بن ظريب هو الذي كتب المصاحف لعمر"10.
2 - لا تصحّ الرواية الثالثة ؛ لأنّ المصاحف واستحداث لفظها لم يكن في زمان أبي بكر، بل هي موجودة منذ زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستخدمت هذه المفردة لهذا المعنى، وهو القرآن الذي بين الدفّتين، منذ فجر الرسالة كما تقدّم بيانه، وتقول هذه الرواية أنّ كلمة "مصحف" حبشيّة، بل هي عربية أصيلة، ولسان الحبشة لم يكن عربياً، ثمّ إنّهم لماذا تحيّروا في تسمية كتاب الله وهو تعالى سمّاه في محكم التنزيل قرآناً وفرقاناً وكتاباً.
3 - الملاحظ أنّ هذه الروايات تؤكّد على أنّ جمع القرآن كان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تقدّم بطلان ذلك ؛ لأنّه كان مؤلّفاً مجموعاً على عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ بالمصاحف ويختم، وكان له كُتّاب مخصوصون يتولون كتابته وتأليفه بحضرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يشرف على أعمالهم بنفسه، وكان لدى الصحابة مصاحف كثيرة شُرّعت فيها بعض السنن، وكانوا يعرضون على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما عندهم باستمرار، وكان كثير من الصحابة قد جمعوا القرآن في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم).
4 - هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبةً من أنّ القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر، فإنّها تقول إنّ إثبات بعض آيات القرآن حين الجمع كان منحصراً بشهادة شاهدين أو بشهادة رجلٍ واحدٍ، ويلزم من هذا أن يثبت القرآن بخبر الواحد أيضاً، وهي دعوى خطيرةٌ لا ريب في بطلانها، إذ القطع بتواتر القرآن سببٌ للقطع بكذب هذه الروايات أجمع وبوجوب طرحها وإنكارها ؛ لأنّها تثبت القرآن بغير التواتر، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين، فهذه الروايات باطلة مادامت تخالف ما هو ثابت بالضرورة.
وإذا سلّمنا بصحة هذه الروايات، فإننا لا نشك في أنّ جمع زيد بن ثابت للمصحف كان خاصّاً للخليفة، لأنّه لا يملك مصحفاً تاماً، لا لعموم المسلمين، لأنّ الصحابة من ذوي المصاحف قد احتفظوا بمصاحفهم مع أنّها تختلف في ترتيبها عن المصحف الذي جمعه زيد، وكان أهل الأمصار يقرأون بهذه المصاحف، فلو كان هذا المصحف عاماً لكلِّ المسلمين لماذا أمر أبو بكر زيداً وعُمَرَ بجمعه من اللخاف والعسب وصدور الرجال؟ وكان بإمكانه أخذه تاماً من عبد الله بن مسعود الذي كان يملي القرآن عن ظهر قلب في مسجد الكوفة، والذي قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا أردتم أن تأخذوا القرآن رطباً كما أُنزل، فخذوه من ابن أُمّ عبد - أي من عبد الله بن مسعود "11.. والذي يروي عنه أنّه قال عندما طلب منه تسليم مصحفه أيام عثمان: "أخذت من في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعين سورة، وإنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان"12..
وبإمكانه أن يأخذه تامّاً من الإمام عليّ (عليه السلام) الذي استودعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن، وطلب منه جمعه عقيب وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجمعه وجاء به إليهم، فلم يقبلوه منه13، وما من آيةٍ إلا وهي عنده بخطّ يده وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال أبو عبد الرحمن السلمي: "ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عليّ (عليه السلام)"14.
وبإمكانه أن يأخذه من أُبي بن كعب الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أقرأهم أُبي بن كعب". أو قال: "أقرأ أُمّتي أُبي بن كعب"15. أو يأخذه من الأربعة الذين أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس بأخذ القرآن عنهم، وهم: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل16، وكانوا أحياءً عند الجمع، أو يأخذه من ابن عباس حبر الأمّة وترجمان القرآن بلا خلاف، ولو سلّمنا أنّ جامع القرآن في مصحف هو أبو بكر في أيام خلافته، فلا ينبغي الشكّ في أنّ كيفية الجمع المذكورة بثبوت القرآن بشهادة شاهدين مكذوبةٌ ؛ لأنّ جمع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين، غاية الأمر أنّ الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحو التواتر.





(1) صحيح البخاري 6: 314 | 8
(2) الاتقان 1: 202.
(3) الاتقان 1: 205.
(4) مستدرك الحاكم 3: 656، تهذيب تاريخ دمشق 4: 69، محاضرات الادباء مجلد 2 ج4 ص 433، فتح الباري 9: 13، تاريخ الخلفاء: 77، مآثر الانافة 1: 85، البرهان للزركشي 1: 281، التمهيد في علوم القرآن 1: 246، المصاحف: 11 - 14.
(5) طبقات ابن سعد 3: 211، تاريخ الخلفاء: 44.
(6) الاتقان 1: 204.
(7) الاتقان 1: 206.
(8) كنز العمال 2: ح 4397.
(9) كنز العمال 2: ح 4764.
(10) أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2: 43 - 52، وأُسد الغابة: ترجمة نافع بن ظريب.
(11) مستدرك الحاكم 3: 318، مجمع الزوائد 9: 287، مسند أحمد 1: 445.
(12) الاستيعاب 3: 993.
(13) الاحتجاج 1: 383، البحار 92: 40.
(14) الغدير 6: 308 عن مفتاح السعادة 1: 351، وطبقات القراء 1: 546.
(15) الاستيعاب 1: 49، أُسد الغابة 1: 49، الجامع الصحيح 5: 665، الجامع لاحكام القرآن 1: 82، مشكل الآثار 1: 350.
(16) صحيح البخاري 5: 117 | 294، مجمع الزوائد 9: 311.

أدلّة جمع القرآن في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)


أجمع علماء الإمامية على أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك دنياه إلى آخرته إلاّ بعد أن عارض ما في صدره بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وبما في مصاحف الذين جمعوا القرآن في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد اعتُبِر ذلك بحكم ما علم ضرورة، ويوافقهم عليه جمعٌ كبيرٌ من علماء أهل السنة، وجميع الشواهد والأدلة والروايات قائمةٌ على ذلك، واليك بعضها:
1 ـ اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة بحفظ القرآن وتعليمه وقراءته وتلاوة آياته بمجرد نزولها، وممّا روي من الحثّ على حفظه، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من قرأ القرآن حتى يستظهره ويحفظه، أدخله الله الجنّة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار"3، وفي هذا المعنى وحول تعليم القرآن أحاديث لا تحصى كثرة، فعن عبادة بن الصامت قال: "كان الرجل إذا هاجره دفعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رجلٍ منّا يعلّمه القرآن، وكان لمسجد رسول الله ضجّة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا"4.
وقد ازداد عدد حُفّاظ القرآن بشكل ملحوظ لتوفر الدواعي لحفظه، ولما فيه من الحثّ من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأجر والثواب الذي يستحقّه الحافظ عند الله تعالى ، والمنزلة الكبيرة والمكانة المرموقة التي يتمتّع بها بين الناس ، وحسبك ما يقال عن كثرتهم على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد عهده أن قُتِل منهم سبعون في غزوة بئر معونة خلال حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقُتل أربعمائة ـ وقيل: سبعمائة ـ منهم في حروب اليمامة عقيب وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحسبك من كثرتهم أيضاً أنّه كان منهم سيّدة، وهي أمُّ ورقة بنت عبد الله ابن الحارث، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يزورها ويسمّيها الشهيدة، وقد أمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تؤمّ أهل دارها5.
أمّا حفظ بعض السور فقد كان مشهوراً ورائجاً بين المسلمين، وكلّ قطعةٍ كان يحفظها جماعة كبيرة أقلّهم بالغون حدّ التواتر، وقلّ أن يخلو من ذلك رجلٌ أو أمرأةٌ منهم، وقد اشتدّ اهتمامهم بالحفظ حتى إنّ المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر.
2 ـ لا يرتاب أحدٌ أنّه كان من حول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كُتّاب يكتبون ما يملي عليهم من لسان الوحي ، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) قد رتّبهم لذلك ، روى الحاكم بسندٍ صحيح عن زيد بن ثابت ، قال: "كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع"6.
وقد نصّ المؤرخون على أسماء كُتّاب الوحي ، وأنهاهم البعض إلى اثنين وأربعين رجلاً ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم كلّما نزل شيءٌ من القرآن أمر بكتابته لساعته ، روى البراء: أنّه عند نزول قوله تعالى: ((لا يستوي القاعدون من المؤمنين)) (النساء4: 95) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ادعُ لي زيداً، وقُل يجيء بالكتف والدواة واللّوح، ثمّ قال: اكتب ((لا يستوي...))"7.
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرف بنفسه مباشرة على ما يُكْتَب ويراقبه ويصحّحه بمجرد نزول الوحي، روي عن زيد بن ثابت قال: "كنتُ أكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان إذا نزل عليه الوحي أخَذَتْهُ برحاء شديدة... فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة، فأكتب وهو يُملي عليّ، فإذا فرغت قال: 'اقرأه'، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثمّ أخرج إلى الناس"8.
أمّا في مفرّقات الآيات فقد روي عن ابن عباس، قال: "إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول: 'ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا'"9 وذلك منتهى الدقّة والضبط والكمال.
3 ـ روي في أحاديث صحيحة "أنّ جبرئيل كان يعارض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن في شهر رمضان، في كلِّ عامٍ مرّة، وأنّه عارضه عام وفاته مرّتين"10 وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض ما في صدره على ما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وكان أصحاب المصاحف منهم يعرضون القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعن الذهبي: "أنّ الذين عرضوا القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأُبي ابن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء"11.
وعن ابن قتيبة: "أنّ العرضة الأخيرة كانت على مصحف زيد بن ثابت"12، وفي رواية ابن عبد البرّ عن أبي ظبيان: "أنّ العرضة الأخيرة كانت على مصحف عبد الله بن مسعود"13.
4 ـ وفي عديد من الروايات أنّ الصحابة كانوا يختمون القرآن من أوله إلى آخره، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد شرّع لهم أحكاماً في ذلك، وكان يحثّهم على ختمه، فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "إنّ لصاحب القرآن عند كلِّ ختم دعوةً مستجابةٍ"14. وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من قرأ القرآن في سبعٍ فذلك عمل المقربين، ومن قرأه في خمسٍ فذلك عمل الصدّيقين"15. وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من شهد فاتحة الكتاب حين يستفتح كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله، ومن شهد خاتمته حين يختمه كان كمن شهد الغنائم"16. ومعنى ذلك أنّ القرآن كان مجموعاً معروفاً أوّله من آخره على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعن محمد بن كعب القرظي، قال: "كان ممّن يختم القرآن ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيّ: عثمان، وعليّ، وعبد الله بن مسعود"17. وقال الطبرسي: "إنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأُبي ابن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عدّة ختمات"18.
وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) "أنّه قد أمر عبد الله بن عمرو بن العاص بأن يختم القرآن في كلِّ سبع ليالٍ ـ أو ثلاث ـ مرّة، وقد كان يختمه في كل ليلة"19. وأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد بن المنذر أن يقرأ القرآن في ثلاث، فكان يقرؤه كذلك حتى تُوفي20.
5 ـ كان الصحابة يدوّنون القرآن في صحف وقراطيس ولا يكتفون بالحفظ والتلاوة، فلعلك قرأت ما روي في إسلام عمر بن الخطّاب: "أنّ رجلاً من قريش قال له: أختك قد صبأت ؛ أي خرجت عن دينك، فرجع إلى أخته ودخل عليها بيتها، ولطمها لطمة شجّ بها وجهها، فلمّا سكت عنه الغضب نظر فإذا صحيفةٌ في ناحية البيت، فيها ((بسم الله الرحمن الرحيم، سبّح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم...)) (الحديد57: 1) واطّلع على صحيفة أُخرى فوجد فيها ((بسم الله الرحمن الرحيم، طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى...)) (طه20: 1) فأسلم بعدما وجد نفسه بين يدي كلامٍ معجزٍ ليس من قول البشر"21، وهذا يدلّ على أنهم كانوا يكتبون بإملاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن هذا المكتوب كان يتناقله الناس.
6 ـ جمع القرآن طائفة من الصحابة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هم أربعة على ما في رواية عبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك22، وقيل: خمسة كما في رواية محمد بن كعب القرظي23، وقيل: ستة كما في رواية الشعبي24، وكذا عدّهم ابن حبيب في (المحبّر)25، وأنهاهم ابن النديم في (الفهرست) إلى سبعة26، وليس المراد من الجمع هنا الحفظ، لأنّ حفّاظ القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا أكثر من أن تُحصى أسماؤهم في أربعة أو سبعة، كما تقدّم بيانه في الدليل الأول، وفيما يلي قائمة بأسماء جُمّاع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي حصيلةٌ من جميع الروايات الواردة بهذا الشأن ؛ وهم:
1 ـ أُبي بن كعب. 2 ـ أبو أيوب الأنصاري. 3 ـ تميم الداري. 4 ـ أبو الدرداء. 5 ـ أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان. 6 ـ زيد بن ثابت. 7 ـ سالم مولى أبي حذيفة. 8 ـ سعيد بن عبيد بن النعمان، وفي الفهرست: سعد. 9 ـ عبادة بن الصامت. 10 ـ عبد الله بن عمرو بن العاص. 11 ـ عبد الله بن مسعود. 12 ـ عبيد بن معاوية بن زيد. 13 ـ عثمان بن عفان. 14 ـ عليّ بن أبي طالب. 15 ـ قيس بن السكن. 16 ـ قيس بن أبي صعصعة بن زيد الأنصاري. 17 ـ مجمع بن جارية. 18 ـ معاذ بن جبل بن أوس. 19 ـ أُمّ ورقة بنت عبد الله بن الحارث، وبعض هؤلاء كان لهم مصاحف مشهورة كعليّ عليه السلام وعبد الله بن مسعود.
7 ـ إطلاق لفظ الكتاب على القرآن الكريم في كثيرٍ من آياته الكريمة، ولا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل لابدّ أن يكون مكتوباً مجموعاً، وكذا ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي"27، وهو دليلٌ على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تركه مكتوباً في السطور على هيئة كتاب.
8 ـ تفيد طائفة من الأحاديث أنّ المصاحف كانت موجودة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند الصحابة، بعضها تامّ وبعضها ناقص، وكانوا يقرأونها ويتداولونها، وقرر لها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) طائفةً من الأحكام، منها:
عن أوس الثقفي، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة"28.
وعن عائشة، عن رسولالله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: +"النظر في المصحف عبادة"29
وعن ابن مسعود، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "أديموا النظر في المصحف"30.
وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أعطوا أعينكم حظّها من العبادة،" قالوا: "وما حظّها من العبادة، يا رسول الله؟" قال: "النظر في المصحف، والتفكّر فيه، والاعتبار عند عجائبه"31.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "أفضل عبادة أُمّتي تلاوة القرآن نظراً"32.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "من قرأ القرآن نظراً مُتّع ببصره مادام في الدنيا"33.
وكلّ هذه الروايات تدلّ على أنّ إطلاق لفظ المصحف على الكتاب الكريم لم يكن متأخّراً إلى زمان الخلفاء، كما صرحت به بعض الروايات، بل كان القرآن مجموعاً في مصحف منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). ونزيد على ما تقدّم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لديه مصحف أيضاً، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عثمان: "فدخلتُ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألته مصحفاً كان عنده فأعطانيه"34، بل وترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مصحفاً في بيته خلف فراشه ـ لا حسبما صرحت به بعض الروايات ـ مكتوباً في العسب والحرير والأكتاف، وقد أمر عليّاً عليه السلام بأخذه وجمعه، قال الإمام عليّ عليه السلام: "آليت بيمينٍ أن لا أرتدي برداء إلاّ إلى الصلاة حتّى أجمعه"35. فجمعه عليه السلام، وكان مشتملاً على التنزيل والتأويل، ومرتّباً وفق النزول على ما مضى بيانه.
وجميع ما تقدّم أدلّةٌ قاطعة وبراهين ساطعة على أنّ القرآن قد كتب كله على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تدويناً في السطور علاوة على حفظه في الصدور، وكان له أوّل وآخر، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرف بنفسه على وضع كلّ شيءٍ في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه، إذن فكيف يمكن أن يقال إنّ جمع القرآن قد تأخّر إلى زمان خلافة أبي بكر، وإنّه احتاج إلى شهادة شاهدين يشهدان أنّهما سمعاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ 




(3) مجمع البيان 1: 85.
(4) مناهل العرفان 1: 234، مسند أحمد 5: 324، تاريخ القرآن للصغير: 80، مباحث في علوم القرآن: 121، حياة الصحابة 3: 260، مستدرك الحاكم 3: 356.
(5) الاتقان 1: 250.
(6) المستدرك 2: 611.
(7) كنز العمال 2: حديث 4340.
(8) مجمع الزوائد 1: 152.
(9) المستدرك 2: 222، الجامع الصحيح للترمذي 5: 272، تاريخ اليعقوبي 2: 43، البرهان للزركشي 1: 304، مسند أحمد 1: 57 و 69، تفسير القرطبي 1: 60.
(10) كنز العمال 12: حديث 34214، مجمع الزوائد 9: 23، صحيح البخاري 6: 319.
(11) البرهان للزركشي 1: 306.
(12) المعارف: 260.
(13) الاستيعاب 3: 992.
(14) كنز العمال 1: 513حديث 2280.
(15) كنز العمال 1: 538حديث 2417.
(16) كنز العمال 1: 524حديث 2430.
(17) الجامع لاَحكام القرآن 1: 58.
(18) مجمع البيان 1: 84.
(19) سنن الدارمي 2: 471، سنن أبي داود 2: 54، الجامع الصحيح للترمذي 5: 196، مسند أحمد 2: 163.
(20) مجمع الزوائد 7: 171.
(21) الموسوعة القرآنية 1: 352.
(22) مناهل العرفان 1: 236، الجامع لاَحكام القرآن 1: 56، أُسد الغابة 4: 216، الجامع الصحيح 5: 666.
(23) طبقات ابن سعد 2: قسم 2 | 113، فتح الباري 9: 48، مناهل العرفان 1: 237، حياة الصحابة 3: 221.
(24) طبقات ابن سعد 2: قسم 2 | 112، البرهان للزركشي 1: 305، الاصابة 2: 50، مجمع الزوائد 9: 312.
(25) المحبر: 286.
(26) الفهرست: 41.
(27) صحيح مسلم 4: 1873، سنن الترمذي 5: 662، سنن الدارمي 2: 431، مسند أحمد 4: 367 و 371 و 5: 182، المستدرك 3: 148.
(28) مجمع الزوائد 7: 165، البرهان للزركشي 1: 545.
(29) البرهان للزركشي 1: 546.
(30) مجمع الزوائد 7: 171.
(31) كنز العمال 1: حديث 2262.
(32) كنز العمال 1: حديث 2265 و 2358 و 2359.
(33) كنز العمال 1: حديث 2407.
(34) مجمع الزوائد 9: 371، حياة الصحابة 3: 244.
(35) كنز العمال 2: حديث 4792.

قصيدة في الدفاع عن القران الكريم

                             هيهات لا يعتري القرآن تبديل ... وإن تبدل توراة وإنجيل                          قل للذين رموا هذا الكتاب بما ......