الاثنين، 3 أكتوبر 2016

محاضرة حول الجهاد والهجرة : الشيخ المرحوم احمد الوائلي

محاضرة حول الجهاد والهجرة : الشيخ المرحوم احمد الوائلي

المحاضرة الثانية للشيخ الوائلي (الجهاد والهجرة )

الجهاد والهجرة
بسم الله الرحمن الرحيم
(( ان الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ))1
مباحث الاية الكريمة
المبحث الاول : فلسفة الهجرة
الهجرة شيئ صعب في تاريخ الاسلام وهي تتضمن ابعادا لابد من الايمان بها ولو على سبيل الايجاز لان ذكرى الهجرة عندنا تلتقي دائما بذكرى الالو من المحرم الحرام
ويمكن اعتبار الهجرة هي النقلة المهمة التي انتقلت بعالم الاسلام من دنيا العقيدة الى دينا تاسيس الدولة المدنية لاننا نعرف ان النبي (ص) اقام في مكة ثلاث عشرة سنة بعد البعثة والفترة التي اقامها هناك كانت فترة تدور حول محور العقيدة ومعنى ذلك امر واضح لان النبي (ص) بعث في مجتمع كافر والمجتمع الكافر لايحتوي على ارضية بيضاء صالحة يمكن ان يخلط بها النبي دولته او يبدا ببنائها فيها
___________
1- البقرة : 218
ومن اجل تقريب هذا المعنى نضرب مثالا بالورقة البيضاء فهي تختلف عن الورقة الملونة او الورقة المكتوب عليها فاذا كانت الورقة مكتوبا عليها فحينئذ لابد من محو الكتابة السابقة عنها ثم يكتب عليها
فالرسول(ص) جاء الى حضارة جاهلية وثنية تقوم على عبادة الاوثان وعلى العادات والتقاليد المنبثقة من مجتمع مدني قبلي وبدوي في طبيعة الحال في المرحلة الاولى كان على النبي (ص) ان ينظف الساحة ويزيح عن طريقه الركام ومن ثم يتوجه الى تاسيس المجتمع الاسلامي فكان دخوله في بداية الامر ببدايات متواضعة ترتبط ارتباطا مباشرا بالعقيدة وكان من اهم الاشياء هو ازالة الاصنام وترسبات الاصنام من النفوس لان الانسان بتركه عبادة الصنم لاينتقل الى التوحيد اذ انه لاتزال في نفسه قيم صنمية ففي ذلك المجتمع الجاهلي كانت هناك قيم صنمية تعيش في نفوس الافارد تقوم على عبادة القوة وعلى امور من هذا النوع
فالرسول (ص) كان ملزما بازالة هذا الركام قبل بداية تاسيس المجتمع الاسلامي وهذا ماوقع اذ كان بقاؤه لمدة ثلاث عشرة سنة من اجل ذلك ومن اجل بث اركان العقيدة وتثبيت اسسها بعد ذلك نزل عليه جبرائيل (ع) يامره ان يخرج من مكة الى المدينة
وعملية الهجرة وعملية الخروج من مكة عما عمليتان اثنتان وقد تمتا في وقت واحد فظاهر العملية هو الانتقال الحركي من مجتمع مكة الى مجتمع المدينة اما باطنها فكان هو الهجرة الداخلية اي الهجرة من دنيا الاصنام الى دنيا التوجيد ومن دنيا البداوة وقيمها الى دنيا الحضارة الاسلامية ومن دنيا اللااخلاق الى دنيا الاخلاق
المبحث الثاني : اقسام الهجرة
وبمعنى اخر : ان الهجرة هجرتان :
الاولى : الهجرة الحركية
وهي التي تتم بالانتقال من مكان لاخر كهجرة الرسول (ص) من مكة الى المدينة
الثانية : هجرة في داخل النفس
وهذه الهجرة هي اهم من الهجرة الاولى فالرسول (ص) بقي في مكة ثالث عشرة سنة لم يسلم بها الا افارد معدودون مما يدل على ان التربة بقيمها وبصلابتها ظلت صامدة امام الاسلام ويمكن ان يقال ان الاسلام لم يستطع ان ينفذ الى هذه التربة الاقليلا ولذلك اضطر الرسول (ص) الى ان ينقل المجتمع الاسلامي من مكة الى المدينة
ويتضح مما سلف ان هنالك عدة اسباب لنقل المجتمع الى المدينة المنورة منها ان قيم البداوة بضراوتها كانت مستفحلة في مجتمع مكة وهي اكثر منها في مجتمع المدينة لان مجمتمع المدينة مجتمع زراعي لايدور على الرعي ولا على التكتل القبلي وله خلفية حضارية اضافة الى كونه يحتوي على جاليات اجنبية مكونة من اليهود والنصارى ومن عناصر متنوعة فهو مجتمع ينطوي على استعداد حضاري وفيها نوع من التفهم وهذا كان عاملا مهما ومشجعا لان ينتقل الرسول (ص) بنفسه الى مجتمع المدينة فكانت هجرته بداية تاسيس المجتمع المدني وليلة الهجرة هبط عليه جبرائيل (ع) بقوله تعالى ( واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )2 وامر ان يخرج من مكة بنفسه وان يضع عليا (ع) كي يوهم قريشا انه لايزال في مكانه وكي لايلحقه الطلب
ومن الطبيعي ان نفهم ان السماء تحاول ان تلفت نظرنا الى ان المعجزة لا تستعمل دائما بل لابد من ان تاخذ الامور طريقها الطبيعي احيانا فلا ينتظر المجتمع مجموعة من المعجزات فكان على الرسول (ص) ان يخرج وان يترك ايحاء بان مكانه ليس خاليا فاستدعى عليا (ع) وقال له : ( المولى عز وجل امرني ان اهاجر من مكة الى المدينة وامرني ان اضجعك مكاني ) فقال (( يارسول الله لو اضطجعت مكانك او تسلم ؟) قال (( بلى )) قال (( روحي لروحك الفداء ونفسي لنفسك الوقا ))2
وقد رسم لنا الكعبي هذه الصورة في داليته العصماء حين يصفه (ع) ويصف مفاداته دون احمد (ص)
ومناقب لك دون احمد جاوزت بمقامك التحديد والتعديدا
فعلى الفارش تبيت ليلك والعدى تهدي اليك بوارقا ورعودا
فرقدت مثلوج الفؤاد كانما يهدي القراع لسمعك التغريدا
ووقيت ليلته وبت معارضا بالنفس لاطفلا ولارعديدا
رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى او مادروا كنز الهدى مرصودا
فبقي الامام علي(ع) في فراش النبي وخرد هو وابو بكر وباتا تلك الليلة في العراء وفي صباح اليوم التالي استانفا الطريق الى المدينة وبعد ذلك فقد جاء
1- الانفال :30
2- التفسير المنسوب للامام العسكري (ع) 466_467

الكتاب الى علي (ع) بان يحلم ظعينة رسول الله (ص) الى المدينة
المبحث الثالث : دروس من الهجرة
هذه هي عمية الهجرة وما يعنينا منها هو
اولا : ان الانسان الحامل لفكرة ما لاتنجح في مكان معين فينبغي عليه ان يهاجر بها الى مكان اخر ان غرس الانسان نبته في تربة ولم تظهر هذه النبتة ثمارها فينبغي عليه ان ينقلها الى تربة اخرى صالحة
اذن هذه واحدة من العبر التي نستفيدها من الهجرة النبوية لان المفروض ان لله جل وعلا سننا ومن جملة هذه السنن ان القوب اشبه شيء بالارض فمثلما هنالك ارض سبخة لاتقبل النبت فهنالك ارض خصبة في مقابلها وكذلك القلوب والله تعالى علمنا في سنن الكون ان الفكر ان لم يثمر في مكان فانه ينقل الى مكان اخر يثمر فيه ولذلك ارم نبيه (ص) بالهجرة ليثمر فكرة في مكان هجرته
ثانيا : ان الفرد المسلم ان لم يمر بامعاناة لايستطع ان يصمد امام الضغوط ولذا كان على الرواد الاوائل الذين اتخذهم الرسول (ص) اصحابا ان يتعرضوا لاقوى الضغوط وهي الهجرة اذ ليس اصعب على الانسان من ترك وطنه بما فيه من اهل ومال لان من الواضح ان الخروج من الوطن هو عديل هروج الروح من الجسد والقران الكريم يقول (( ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم ))1 وهذه الموازنة التي تعني ان الخروج من الوطن تعادل خروج الروح من الجسد انما كانت كذلك لان الوطن بالنسبة للفرد مثل الجسد بالنسبة للروح فكما يعسر على الروح فراق جسدها فكذلك الانسان يعسر عليه فراق بلده

1- النساء :66
فعلى ذلك يجب ان يتعرض الفرد المسلم الى دروة من المعاناة منها هجرة البلد والوطن وفراق الاحبة والاه لاذ ان حامل الرسالة يجب ان يكون بمستوى الرسالةى وهكذا الحال بالنسبة الى الرواد الاوائل الذين يفترض بهم ان يكونوا على مستوى من المسؤولية واهم مسؤولية هي مسؤولية ترك الوطن والهجرة فالرسول (ص) اخذ منه ترك الوطن ماخذا عظيما وكبيرا
يقول المؤرخون انه (ص) كان يسال القادمين من مكة عن احوالها ذات يوم سال احدهم قائلا (( كيف خلفت مكة ؟)) قال : تركت السنام وقد اعذق والبسر وقد ااغدق فدمعت عينا النبي (ص)
وكان (عليه الصلاة والسلام ) قد قال عند طلوعه من مكة (( الله يعلم انني احبك ولولا ان اهلك اخرجوني عنك لما اثرت عليك بلدا )1
ففراق الوطن صعب جدا وفي ذلك يقول الشاعر
وكنا الفناها ولم تك مالفا وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن كما تؤلف الارض التي لم يطب بها هواء ولاماء ولكنها وطن


3 يقول احدهم رايت جارية تقود عنزة في الصحراء وكانت جارية ضعيفة لاتقوى على مقاومة حر الصحراء فسالتها : اي بلاد الله احب اليك ؟ فقالت اول ارض لامس جلدي ترابها ورحم الله الشاعر اذ يقول
ولي وطن اليت الا ابيعه والا ارى غيري له الدهر مالكا
فالخروج من الوطن هو مثل خروج الروح من الجسد كما اسلفنا وهذا هو اول ضغط يحاول الوضع القراني ان يبين انه مما يتعرض له الفرد المسلم فكانه يقول
1- مستدرك وسائل الشيعة 334:9 /11030،346-347/11046، مسند احمد 4 :305
2- نهج البلاغة 91:20
3- ديوان ابن الرومي 14:2

لهم حملة الرسالة استعدوا :فانكم على ابواب امتحان عسير واول شيء تتعرضون له في هذا الامتحان العسير هو هجر الوطن
ثالثا : جردت قريش المهاجرين من جميع مايملكون فاستقبلتهم مدرسة الرسول (ص) التي زرعها في النفوس وباي شكل استقبلتهم ؟ لقد زرع (ص) مدرسة جعلت العالم ينحني اجلالا الها فاي حضارة من الحضارات يحصل فيها ماحصل من الانصار للمهاجرين ؟ كان الانصاري يستقبل شريكه في العقيدة ويتقاسم معه داره ويقول له هذا الدار تتسع لي ولك امامك الغرف والفراش واواني البيت واقاسمك اموالي وعندي زوجتان اطلق واحدة لتتزوج منها انت فهل تملك الحضارات الباقية مثل هذا اللون من العطاء والمشاركة ؟
هذا اذن هو عطاء مدرسة محمد (ص) وعطاء مدرسة القران التي اعطت اسمى مافي النفوس واجمل اشكال التعاون (( انما المؤمنون اخوة ))1
وهؤلاء المهاجرون قد تعرضوا في هجرتهم من مكة الى فقدان الاموال والابناء فعوضهم الله عن الوطن بوطن وعن الاماكن باماكن وعن الجاهلية بالاسلام وهو عطاء لايحد
وقد ذرك القران الكريم بعض المهاجرين الذين كانوا يمنون على رسول الله (ص) اسلامهم (( يمنون عليك ان اسلموا قل علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ))2
فقد نقكلم الله من حضارة كنت توصل الانسان الى احط منزلة ورفعكم الى حضارة توصل الانسان وترفعه الى القمة
ولو قارنا ذلك بحال المسلمين الان لوجدناهم مقسمين ومتقاتلين يعتدي بعضهم على بعض ونحن بهذا نكون قد تجردنا من حضارة الاسلام ولانحمل من
1- الحجرات : 10
2- الحجرات : 17
_____________________________
ذلك سوى اسم الاسلام اما المضمون الاسلامي فقد بدا بالتضاؤل في داخلنا مع ان الاسلام واقع عملي وليس شعارات لانه مثل تيار داخلي يسري في الانسان وليس هو لفظ يحمله على شفاهه
والرسول (ص ) بدا بنقلة حركية وفي الحركة الثانية بدا بنقلة في داخل النفس من الكفر الى الايمان ومن قيم البداوة الى قيم الحضارة فعرض الفرد المسلم الى نوع من الضغوط ويمكن اعتبار ذلك عملية تربوية في اعداد المسلم لحلم رسولته وانتهى في المدينة حيث بدا انذاك في تاسيس المجتمع الاسلامي
فالمجتمع المدني يتاصل بدخول الرسول (ص) الى المدينة وهو السبب الذي جعل النبي (ص) ينتقل من مكة الى المدينة وهو السبب نفسه الذي جعل الحسين (ع) يترك المدينة ونتقل منها ونحن الان امام مناسبتين هما دخول النبي (ص) الى المدينة وخروج الحسين (ع) من المدينة
فلو سال سائل : ماهي دوافع الامام الحسين (ع) في ترك المدينة التي هي مهد جده (ص) ومهد الاسلام ؟ كما ان المفروض ان تكون المدينة قد سمعت من على المنبر قول رسول الله (ص) (( الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة ))1 كما انها مهد الحسين (ع) فقد ترعرع فيها وهي اول ارض مست خده الشريف وهي اول منطقة لعب فيها مع اخيه الحسن (ع) فهي ملعبه وبيته وبيت اهل بيت النبوة (ع) الذي هو موضع اجلا ل وتكرمه عند المسلمين
1- ورد هذا الحديث بطرق كثيرة والفاظ مختلفة عند اخواننا اهل السنة انظر فضائل الصحابة ( احمد بن حنبل ) 20 ، 58 ،76 ،مسند احمد 3:3 ، 620 ، 64 ،82 ،5: 391 ،392 ، سنن ابن ماجة 1: 44 ، الجامع الصحيح ( سنن الترمذي ) 5: 321 ، 326 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 167 ،167 ،167 ،381 ،شرح النووي على صحيح مسلم 16 : 41 وغيرها كثير .
المبحث الرابع : اسباب نقل الحسين (ع) حركته الى العراق
في واقع الامر كانت هناك عدة اسباب حدت بالحسين (ع) ان يخرج من المدينة وينتقل بنهضته الى العراق ومنها
السبب الاول : خوفه (ع) من ان تنتهك حرمة المدينة
فكان الامام الحسين (ع) يخشى ان تظلم مكانة المدينة في نفوس المسلمين لان الامويين كانوا يخططون للقضاء على مجتمع المدينة وان يجعلوا من هذا المجتمع بؤرة للدماء حتى تذهب حرمته من النفوس وكان من جملة تلك التخطيطات ان يجلبوا بعض القبائل ويدمجوها مع مجتمع المدينة لنشر التحلل وتذويب الشخصية الاسلامية وتعريض الشباب الى عدد من الانهيارات التي تبعدهم عن دنيا الاسلام
وقد ذكر المؤرخون ذلك كما في كتاب ( الاغاني ) الذي نقل لنا ظواهر من هذا التحلل فكانك تقرا فيه عن مجتمع ليس باسلامي ناهيك عن كونه جزء من الحضارة العربية التي يقول شاعرها
اعمى اذا ماجارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر
ويصم عما كان بينهما سمعي وما بي غيره وقر 1

ويقول اخر
ناري ونار الجار واحدة واليه قبلي تنزل القدر
ماضر جارا لي يجاورني الا يكون لبابة ستر 2
1- امالي السيد المرتضى 2 : 123
2- شرح نهج البلاغة 5 : 43 ونقل في ج17 :10 عن مسكين الدارمي بيتين رتبهما كالاتي
ماضر جارا لي اجاوره الا يكون لبابة ستر
اعمى اذا ماجارتي خرجت حتى يواري جارتي الخدر
نعم كان صوت الانحلال على مشارف قبر النبي (ص) وعلى مشارف اسماع المهاجرين والانصار وهناك ايضا من اتخذ له ناديا تراق فيها الخمرة وهناك ناد تراق فيه الاعراض وهناك ناد تهان فيه الكرامات فمن اوصل المجتمع الى هذا الانحلال ؟
الجواب : انك حين تقرا سيرة الخليفة الاموي وترى كيف انه في مجلسه يقول
اسقنا يايزيد بالقرقارة قد طربنا وعمت الجمارة 1
اسقني اسقني فان ذنوبي قد حاطجت ومالها كفارة
فستعرف السبب في ذلك واني من هذا صوت ( الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما )2 ؟
فاذن كان ذلك جراء تخطيط ضخم فهناك مغنيات تستورد وهناك حركة الموالي الذين جاؤوا من بلاد الفتوحات والذني نقولا حضارتهم الى حضارة الاسلام فبدات قيم حضاراتهم تطغى على قيم الاسلام وحولوا مهد الاسلام وهو المدينة الى بؤرة من الانحلال
هذا من جانب ومن جانب اخر فان الحسين (ع) كان يدرك ان مدينة رسول الله (ص) لهاحرمة خاصة ومكانة محترمة في نفوس المسلمين بل ان بعض الفقهاء يفضلون المدينة على الكعبة كما في ( وفاء الوفا باخبار دار المصطفى (ص ) للسمهودي ويعللون ذللك بان المدينة قد دفن فيها رسول الله (ص) وهو اشرف الموجودات فتربتها لامست جسد النبي (ص) والبقعة التي تلامس اشرف الموجودات تكون اشرف البقاع
1- القرقارة : اناء من زجاج طويل العنق : سميت بذلك لقرقرتها . لسان العرب 5 :87 – قرقر ، تاج العروس 3 : 489 – القرقار
2- الفرقان : 64
فالمدينة فيها الفضل وفيها المنزلة والمفروض انها محترمة بعيدة عن اين يراق فيها الدم وبعيدة عن ان تتعرض الى ضغوط واذا بها يقتل فيها اكثر من عشرة الاف نفس فيهم سبعمئة من حملة القران كما في واقعة الحرة حيث سالت الدماء في المدينة وابيحت اعراض النساء الى الحد الذي لم يعد الاب يضمن ان تكون ابنته عذراء في حال تزويجها
ومع ذلك فان هناك من المؤرخين من يقول : انا لايمكن ان اشتم يزيد لانه مسلم وربما يكون قد تاب من ذنبه فانه لايجوز سباب المسلم
واساله الذي قتل سبعمئة من حملة القران ويترك الخيل ترمح بارجلها قبر النبي (ص) ويعتدي على اعراض المسلمات ويضرب راس الطفل بالجدار وينثر مخه عليه اهو مسلم ؟! هل الذي يقتل سيد شباب اهل الجنة يظل مسلما ؟
الواقع ان هذه مفاعلات اجتماعية وهي اخطر من المفاعلات النووية واذا بقيت في تاريخ المسلمين فسوف تدرمه وهذا يجب ان تزال ويجب ان نقول للابطل هذا باطل وهذا حق
وعودا على بدء نقول ان الحسين (ع) خرج من المدينة خوفا على حرمتها النهل وبقي فيها فانه سوف يقتل فيها وتنتهك حرمتها من قبل الامويين الذين لا يردعهم رادع في ذلك كما ان خروجه (ع) من الكعبة للغرض نفسه فلو كان بين الركن والمقام لقتلوه فقد قتل ايضا هناك عبد الله بن الزبير وهو اول مولود ولد في الاسلام وهو ابن الزبير فارس الاسلام وقد قتل في داخل الكعبة حيث كان يرتجز ويقول :
ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا ولكن على اقدامنا تقطر الدما 1
1- شرح نهج البلاغة 3 : 284 ،14: 203 ،20 :105 ،122
حتى قتل فهؤلاء كانوا لايجدون مانعا في قتل الامام الحسين (ع) داخل الكعبة المشرفة وفي داخل المدينة المنورة ولو تحقق لهم ذلك لضيعوا حرمة المدينة في نفوس المسلمين
السبب الثاني : تحجيم الحركة
فالحسين (ع) لو بقي في المدينة لحاصر التاريخ حركته واذابها ومما يؤسف له ان حركته ونهضته لايعرفها الا القليل من المسلمين لان وسائل الاعلام الاسلامية تصرفت وكان الامام الحسين (ع) لايعنيها بل كانه محسوب على فئة خاصة في حين انه (ع) لكل المسلمين بل هو عطاء للدنيا باجمعها وليس لنا وحدنا لانه ابن رسول الله (ص) وهو ايضا سيد شباب اهل الجنة وسيد شاب اهل الجنة هو للجميع فهو صوت من اصوات الحق خرج ليقارع الباطل وهذا الصوت يجب ان ينتشر
فالمفروض ان نهضته (ع) يجب ان تاخذ ابعادها الى مسامع المسلمين كافة لا ان ينحصر بفئة ما فالمفترض على كل مسملم ان يمر بنهضة الحسين (ع) ويكتنه اسرارها فانا حينما اسمع تاريخ الحسين (ع) اسمع صوت النبي (ص) يعبر عنه (ع) (( حسين مني وانا من حسين ))1 كما ان هناك اسبابا ( احب الله من احب حسينا وابغض الله من ابغض حسينا )2 فهل يمكن ان اتغاضى عن هذا الوليد ؟
فالمفروض ان ينفتح التاريخ على سيرة الحسين (ع) في سبيل اكتناه اسرار نهضته لكن مع الاسف هناك القليل من المسلمين الذي يعرفون اسرار هذه النهضة بل ان هناك من يقول عنه : انه خرج على خليفة وقته فقتل 3 هكذا وفي
1- المستدرك على الصحيحين 3 :177 المصنف ( ابن ابي شيبة ) 7 :515
2- مسند احمد 4 : 172 سنن ابن ماجة 1 :51 سنن الترمذي 5 :324 وغيرها كثير
3- كما نقل عن ابن العربي انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 265- 266 ،5: 313
منتهى البساطة فيما ان الامام الحسين (ع) يريد ان يستكنه السر الذي وراء نهضته فهو لم يقدم الدماء عبثا اذ لو كان الامر كذلك لكان قد القى بنفسه في التهلكة فقد خرج (ع) كي يخلص الامة من براثن الامويين لان هذه البراثن تحكمت في الدماء والاموال والاعراض وساضرب لك مثلا على ذلك يقول عبد الملك بن مروان : كنت امشي في بستان لي فاذا وقعت رجلي على جندب اي جرادة وسحقتها فان ضميري يؤنبني فيما الان يكتب لي الحجاج انه قتل فلانا او ذبح امة لكن ضميري لايتالم ومعنى هذا ان الدماء عنده امر عادي
امامن ناحية الاموال فان واليا من والاة الامويين قد صعد منبر الكوفة وخطب قائلا (( السواد بستان لقريش ) يعني هذا العراق كله ملك لنا والناس بعد فلاحون
اما من ناحية الاعراض فقد وصل الامر بانتهاكها الى درجة مرعبة للحد ان احد الشعراء قد قام مخاطبا ياهم
ولو جاؤوا برملة او بهند نبايعها امير المؤمنينا
اذا ما مات كسرى قام كسرى نعد ثلاثة متناسقينا
فوا لهفا لو ان لنا ضيوفا ولكن لانعود كما علينا
اذن لضربتم حتى تعودوا بمكة تلعقون بها السفينا
شربنا الغيظ حتى لوسقينا دماء بني امية ماروينا
لقد ضاعت رعيتكم وانتم تصيدون الارانب غافلينا 1
1- الابيات لعبد الله بن همام وقيل حمام ابن نبيشة بن رياح الملقب بالعطار لجودة شعره تاريخ مدينة دمشق 33 :352 – 353 وفيه لبايعنا اميرة مؤمنينا وقد ذكر بيتين منها فقط وكذلك ذكرهما في البداية والنهاية 8 : 362 ___________

فقد انتهى ارم بني امية الى التفريط بالاموال والدماء والى تعريض الكرامات للهدر وهكذا فان خروج الامام الحسين (ع) انما كان ليشعر العالم بذلك والافما هي نهضته ؟ هل خرج من اجل ان يوجد له مركزا في نفوس الناس ؟ لا فمركز الحسين (ع) في المشاعر فقد وضعه رسول الله (ص) فوق مشاعر الناس ووضعه في قلب كل مسلم ومسلمة فهو (ع) له عرض في القوب
او هل خرج من اجل ان يطلب الاموال ؟ والجواب لا فلقد تارك له والده امير المؤمنين (ع) عينين تدران عليه حوالي نصف مليون دينار سنويا وكان يتصدق بهما على الفقراء
ام من اجل كرسي الخلافة ؟ وماذا فعل ابوه امير المؤمنين (ع) حين انتهى اليه الكرسي ؟ نقل عن ابن حنبل حيث طال النقاش عنده عن الخلافة انه قال (( قد اكثرتم ان كانت اخلافة قد زينت غير علي فان عليا قد زان الخلافة ))1
نعم انه عليا (ع) لم يكن محتاجا للخلافة فهي لم ترفع من قميته بل هو الذي رفعها فالدنيا عنده اهون من (( عفطة عنز )) كما عبر (سلام الله عليه )) عنها
ام ان نهضة الحسين (ع) كانت من اجل دار يسكنها ؟ وهل سكن ابوه (ع) دارا ضخمة ؟ وليستنطق التاريخ هل كان له الاقطعة من الارض جوار مسجد الكوفة استعارها من احد رجال بني نضيرة وبنى فوقها بيتا من البواري والحصر اذا قام يضر ب السقف براسه ؟
اذن ماهي دوافع الامام الحسين (ع)
لقد كانت دوافعه (ع) على الخرود هي تخليص الناس من براثن بني امية وقد
1- الهداية الكبرى :12 شرح نهج البلاغة 1 :52 تاريخ مدينة دمشق 42 :446 تاريخ بغداد 1 :145
2- نهج البلاغة / الخطبة : 3
اوضح ذلك في كل مكن مر به فقد خرج من المدينة وشرح في الطريق اسباب نهضته ومر بمكة وصعد المنبر وخطب خطبته الشهيرة وفي كل مكان فعل ذلك فهو اذن قد استخدم الوسائل الاعلامية المتاحة لتوضيح اسباب خروجه وهو السبب الثاني اي الا تنحصر النهضة في مكان معين
السبب الثالث : اختيار الله تربة كربلاء مهدا للحركة
فالله عز وجل قد اختار للحسين (ع) تربة كربلاء مهدا فهذه المنطقة كانت فيما مضى مهدا لحضارات سابقة يضيق عن ذكرها المقام فانتقال الحسين (ع) اليها ليس هو نقل اجساد ثم ذبحت هذه الاجساد على ترابها بل هو نقل افكار وخواص جعلها لها التاريخ كما جعل هذه التربة مهدا من مهد البطولات يقول احد الشعراء
يا كربلاء ياعبير الجراج وزهو الدم العلوي الابي
وياصرح مجد بناه الحسين وابدع في رصفه المعجب
وياعبقا من عبير الخلود يشد الانوف الى الاطيب
يبقى الحسين شعارا على اصيلك والشفق المذهب

فالله عز وعلا اختار للحسين (ع) هذه التربة ليقدم فيها تلك المصارع الطاهرة فوقف يوم الطف يقدم المصرع تلو المصرع وقف يزرع الدماء فيجني منها قمما من العطاء فقد انتزع الحسين (ع) الثناء من فم الدنيا وكان قد قدم الضحية تلو الضحية وكان اذا انتهى من تقديم الضحية يشخص ببصره الى السماء ويقول (( ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى ))
قدم اصحابه واولاده واحدا اثر اخر وفي نهاية المطاف التفت الى مخيم الانصار فوجده خاليا والتفت الى مخيم بني عبد المطلب فوجده خاليا تلفت يمينا وشمالا فما وجد احدا فاوى الى الخيمة وصاح (( من يقدم لي جوادي ؟)) خرجت له اخته زينب (ع) وقالت له (( اخي لمن تنادي جرحت فؤادي وليس في مخيمنا سوى النساء والاطفال ؟))
رد وعياله من العطش يومن صاح بصوت للتوديع كومن
مثل سرب الكطة كامن يحومن  .....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصيدة في الدفاع عن القران الكريم

                             هيهات لا يعتري القرآن تبديل ... وإن تبدل توراة وإنجيل                          قل للذين رموا هذا الكتاب بما ......