بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في كتاب (الف سؤال واشكال) للشيخ علي الكوراني العاملي الاشكال التالي:
من المعروف عن السلفية التزامهم ان النبي (صلى الله عليه وآله) رأى ربه، بينما نجد عائشة تقول إن ذلك فرية عظيمة على الله تعالى!
وقد تجرئوا عليها حتى قال ابن خزيمة شيخ البخاري، الذي يلقبونه إمام الأئمة في كتابه المسمى التوحيد!
روى البخاري في صحيحه: ( عن مسروق قال: قلت لعائشة: يا أُمَّتَاه هل رأى محمد (صلى الله عليه واله) ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب، ثم قرأت: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك.. الآية، ولكنه رأى جبرائيل (عليه السلام) في صورته مرتين )(1).
وفي صحيح مسلم: (عن عائشة: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية)(2) انتهى.
وقد هاجمها ابن خزيمة في كتاب التوحيد, فقال: (هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفرية، وأبو ذر، وأنس بن مالك، وجماعات من الناس الفرية على ربهم! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها... نقول كما قال معمر بن راشد لما ذكر اختلاف عائشة وابن عباس في هذه المسألة: ما عائشة عندنا أعلم من ابن عباس... وإذا اختلفا فمحال أن يقال قد أعظم ابن عباس الفرية على الله، لأنه قد أثبت شيئاً نفته عائشة... الخ.)(3) انتهى.
اذا عرفت ايها القارئ الكريم ماتقدم نقول للوهابية: ما رأيكم في عقيدة عائشة التي حكمت بأن من زعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى ربه، فقد أعظم الفرية على الله تعالى؟ فهل أن ابن خزيمة وابن تيمية ومقلديه أعظموا الفرية على ربهم؟ ثم اننا لم نجد حديثاً في مصادر السنة عن الرؤية في الإسراء إلا سؤال أبي ذر وسؤال عائشة للنبي (صلى الله عليه وآله)، وقد نفى فيهما الرؤية بالعين! فالذين نسبوا إليه الرؤية لم يرووا عنه حديثاً واحداً بأنه رأى ربه بعينه، بل قالوا ذلك من اجتهادهم! فلا مقابل في الحقيقة لحديث أبي ذر وعائشة بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نفى الرؤية، إلا اجتهادات ليست بأحاديث!
أما الرواية عن ابن عباس فهي متعارضة ومضطربة، فلابد لهم من القول بسقوطها والرجوع إلى الأصل الذي هو عدم ثبوت ذلك عنه إلا بدليل، وقد نقل ابن خزيمة نفسه قبل هجومه على عائشة أحاديث عن ابن عباس ينفي فيها الرؤية بالعين. وهذا ما يؤيده الشيخ محمد عبده في تفسير المنار: ( فعلم مما تقدم أن ما روي عن ابن عباس من الإثبات هو الذي يصح فيه ما قيل خطئاً في نفي عائشة إنه استنباط منه، لم يكن عنده حديث مرفوع فيه، وإنه على ما صح عنه من تقييده الرؤية القلبية معارض مرجوح بما صح من تفسير النبي (صلى الله عليه واله) لآيتي سورة النجم وهو أنهما في رؤيته (صلى الله عليه واله) لجبرائيل بصورته التي خلقه الله عليها.
على أن رواية عكرمة عنه لا يبعد أن تكون مما سمعه من كعب الأحبار الذي قال فيه معاوية (الراوي) إن كنا لنبلو عليه الكذب، كما في صحيح البخاري. ورواية ابن إسحاق لا يعتد بها في هذا المقام فإنه مدلس وهو ثقة في المغازي لا في الحديث. فالإثبات المطلق عنه مرجوح روايةً كما هو مرجوح درايةً )(4), انتهى.
وقال في تفسير المنار: ( فعائشة وهي من أفصح قريش تستدل بنفي الإدراك على نفي الرؤية مع ما علم من الفرق بينهما، وتستدل على نفيها أيضاً بقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وقد حملوا هذا وذاك على نفي الرؤية في هذه الحياة الدنيا، ولكن إدراك الأبصار للرب سبحانه محال في الآخرة كالدنيا )(5) انتهى؟
___________
(1) صحيح البخاري: ج6ص50.
(2) صحيح مسلم: ج1ص110.
(3) كتاب التوحيد, لابن خزيمة: ص225
(4) تفسير المنار: 9/148.
(5) تفسير المنار: 9/139.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق