الجمعة، 26 فبراير 2016

آية ( وإن طائفتان...) لا تدل على إيمان معاوية

الوهابية يقولون أن بالإمكان أن يتقاتل مؤمنين وكلاهما في الجنة ولذلك لا ضير من قتال معاوية لأمير المؤمنين وكلاهما في الجنة
ودليلهم هو قوله تعالى: إن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت احداهما على الاخرى فقالتوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فإت فاصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا...

الجواب:
الأخ مرتضى المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للإجابة على سؤالكم الكريم نلفت نظركم إلى ما يلي:
إن هذا الكلام الذي تضمنه سؤالكم يؤسس بالواقع لكبرى اسمها امكان الاقتتال بين فئتين مؤمنتين مع المحافظة على صفة الإيمان لهما وكبرى اخرى أنه حتى مع افتراض اقتتالهما فلا مانع من دوخولهما الجنة لعدم زوال صفة الإيمان تلك عنها بالاقتتال ومن ثم يخرج صاحب الاشكال لتطبيق هاتين الكليتين على صغرى اسمها قتال معاوية لمولانا الإمام علي (عليه السلام) في صفين وبأعتبار الفراغ عنده من صحة الكليتين فلابد من القول بعدم المانع من الأقرار بإيمان معاوية وإمكان دخوله الجنة مع كونه قاتل علياً لأن الآية تصحح وتستبقي الإيمان وتبشر بالجنة دون ان يكون للقتال أهمية في خدش الإيمان وطعن حقيقة الدخول في الجنة, فعلى سبيل رد الكبرى يكون الجواب:
إنما تكون هذه الكبرى صحيحة إذا توفرت جميع شرائطها وهي:
1- أن يكون القتال بين فئتين مؤمنتين مفروغ من الأقرار بإيمانهما.
2- ان لايكون القتال بين فئة مؤمنة وأخرى فيها إمام الأمة أو خليفة رسول الله الشرعي أو مختار الله لقيادة الإسلام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله), فهذا حتماً له حكم آخر بقرينة ان أسباب نزول الآية هو المشاجرة التي حصلت بين أفراد الأمة من الأوس وآخرين من الخزرج وكلاهما من الأنصار ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أحد الطرفين ضد الطرف الآخر مما يعني أن سيد الأمة وإمامها كان خارج الصراع بل كان يمثل الفئة الثالثة المصلحة بين الطرفين.
3- أن تفيء الفئة الباغية إلى الحق وترجع عن بغيها وعدوانها.
4- أن تكون هناك فئة ثالثة تقوم بعملية الإصلاح وترميم المواقف والتقريب والجمع بل وإلغاء السخيمة والشحناء بين الفئتين المتنازعتين.
5- أن ترجع الفئة الباغية كامل الحقوق المسلوبة من حق مضاع ودم مراق إلى الفئة الأخرى وهذا معنى (( فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا بِالعَدلِ وَأَقسِطُوا )) (الحجرات: 9).
نعم في هذه الحالة تنعقد الكلية المفترضة ونسلم بصحتها ونقول أن هاتين الفئتين مؤمنتان.
والكبرى الأخرى هي: إمكان دخولهما الجنة.
فلا معين عليها ولا دليل واضح ينهض بها, بل نرى ما ينقضها من كتاب الله.
كما في قوله تعالى: (( وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) (النساء: 93).
وقوله تعالى: (( مَن قَتَلَ نَفساً بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٍ فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً )) (المائدة:32).
وفي حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( من أعان على دم إمرئ مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: يائس من رحمة الله, قيل تفسيره هو أن يقول: أق, يريد: أقتل كما قال (عليه السلام): كفى بالسيف شا يريد شاهد.....) لسان العرب لابن منظور 4/408 وكذا في هامش المهذب البارع عن الصدوق عن الصادق (عليه السلام) 12/348, الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) 2/368 كما ينقل في هامش نفس الصفحة عن النهاية نفس حديث المتن.
بل ينقل القوم كما في صحيح البخاري 1/13 في باب ( وان طائفتين من المؤمنين..)
( فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول إذا إلتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه )
بل العقل لا يساعد على الإقرار بهذه الكلية للمفروغية من كون العقل يؤسس لقاعدة الإثابة على الإحسان والعقوبة على الإساءة.
وبهذه الأدلة نتوقف عن القول بالكلية الثانية, ولكن مع التنزل وافتراض صحة الكلية الأولى فلنأتي إلى صغراها ونرى هل تنطبق عليها أم لا? لنجد أمامنا عدة أمور لا تجعل الصغرى صالحة لانطباق الكبرى المفترضة عليها.

الأمر الأول:
1- إن الآية الشريفة التي سقتموها للإستدلال على كون معاوية مؤمن وإن قاتل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهي) (( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ )) (الحجرات:9) ظاهراً ليست كافية في إثبات إيمان معاوية لأنها تقول: (( مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا )) (الحجرات:9) فهي لا تثبت إيمان كل فئة مقاتلة لفئة أخرى من أهل ملة الإسلام إذ الحكم لا يثبت موضوعه.
2- انها تقول (من المؤمنين) ومن أين لنا أن نثبت أن معاوية كان مؤمناً حتى ندخله في مفهوم الآية خاصة أن القرآن يصرح بصوت عالِ (( قُل لَّم تُؤمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم )) (الحجرات:14) فإذا تمكنا بدليل خارجي أن نثبت بأن معاوية مؤمن أمكن إدخاله كمصداق في مفهوم هذه الآية.
3- إن هذه الآية إنما جعلت الباغي مقبولاً بعنوان كونه فاء إلى أمر الله ولم نعهد معاوية ولا أذنابه قد فاءوا إلى أمر الله.

الأمر الثاني:
نحن لنا رأي في إسلام معاوية وبقائه على ذلك الإسلام المزعوم والحال أن الحديث الصحيح الذي ينقله الفريقان ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) - كما في صحيح مسلم 3/1478, كتاب الإمارة,مسند أحمد 4/96 و 3/446, وإبن حيان في صحيحه 7/49, الاصفهاني في حلية الأولياء 3/224 والهيثمي في جميع الزوائد 5/224، وقال عنه الألباني: إسناده حسن ورجاله ثقات - ينطبق عليه ويخرجه من ربقة الإسلام ويرجعه إلى جاهليته التي ما زال عليها.
اذن في إسلامه نقاش فضلاً عن إيمانه, واللطيف في المقام أن ابن حزم في المحلى 8/420 يقول: ( لا يحل لمسلمٍ أن يبيت ليلتين ليس في عنقه الإمام بيعة ) فهو لا يحل للمسلم عدم البيعة للإمام فما الذي يقوله فيمن ناجز الإمام العداء وحاربه وصادر حقه وأساء له وسبه ولعنه وجيش عليه الجيوش?!

الأمر الثالث:
إن معاوية وجيشه خرجوا من إطار مفهوم هذه الآية ولا تصح أن يحتج بها على إيمانهم لأسباب منها:
1- أن الإمام علي (عليه السلام) كان مأموراً من قبل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بقتالهِ, وذلك ما أخرجه البزار والطبراني في الأوسط والحافظ الهيثمي في المجمع 7/238, وأخرجه أبو يعلى كما في تاريخ إبن الكثير 7/304, وشرح المواهب للزرقاني 3/217 وقال عنه سند جيد.
والحديث هو: (سمعت علياً يقول: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) ومعلوم أن معاوية أحد الثلاثة والمعركة أي صفين واحدة من معارك ووقائع علي مع هؤلاء.
والله تعالى ورسوله لا يأمر بقتال مؤمن ثم يطالب المؤمنين بإصلاح الحال لأنهم أخوة, وعلى كل تقدير ما أمر الرسول بقتاله إلا لأنه - أي معاوية - كان ضد الإيمان وأهله.
وقد ذكر صاحب الغدير في غديره 3/195 أن أمير المؤمنين (عليه السلام) احتج يوم الشورى بهذا الحديث وقال: (أنشدكم الله هل فيكم أحد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) غيري, قالوا: اللهم لا).
2- قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي وذويه: (حربكم حربي), وقوله: (يا علي ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على حق فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني), وقوله (صلى الله عليه وآله) لعمار: ((ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار). الغدير 3/250.
فقوله (صلى الله عليه وآله) ( حربكم حربي, ومن لم ينصرك فليس مني, ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ) كلها شاهدة على مخالفات القوم وفي مقدمتهم معاوية لمنهج الإسلام ومسلك نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله).
3- قول النبي (صلى الله عليه وآله) بحقه (عليه السلام): ( اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه وإنصر من نصره واخذل من خذله ) فالله تعالى لا يعادي المؤمنين (( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا )) (الحج:38) وإنما يقاتل الله (( وقالت اليهود عزير إبن الله وقالت النصارى المسيح إبن الله.... قاتلهم الله أنى يؤفكون )) (المنافقون:4).
فهل يصح أن نصف من هذا حالة أنه مؤمن، ولابد من الالتفات إلى كون كل مؤمن مسلم ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل مسلم مؤمن وهذا ما يقره القرآن ويقول به.
4- قول النبي (صلى الله عليه وآله) بحقه (عليه السلام): ( علي خير البشر فمن ابى فقد كفر ) يرويه القندوزي في ينابيع المودة 2/77 عن الخطيب البغدادي وتحت عنوان ( ذكر ما في كنوز الحقائق للمناوي ) وتحت رقم 81 وينقله صاحب الغدير عن تاريخ الخطيب عن جابر، كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير 2/16, كنز الحقائق 6/195.
وفي كتاب مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومانزل من القرآن في علي (عليه السلام) لأبي بكر أحمد ص111 قال: عن عطية بن سعد قال: دخلنا على جابر بن عبد الله وهو شيخ كبير فقلنا: أخبرنا عن هذا الرجل علي بن أبي طالب? فرفع حاجيه ثم قال: ( ذلك من خير البشر ) فقيل له: ما تقول في رجل يبغض علياً فقال: ما يبغض علياً إلا كافر.
وفي نفس الصفحة لنفس المصدر وفي كتاب أعيان الشيعة 4/64 ( رأيت جابر يتوكأ على عصاه وهو يدور في سكك المدينة ومجالسهم ويقول: ( علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ) معاشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي فمن ابى فلينظر في شأن أمه )
و (... قال سألت عائشة عن علي (عليه افضل الصلاة والسلام)? فقالت ذلك خير البرية ! ولا يشك فيه إلا كافر !).
وفي نفس الصفحة (.... سأل حذيفة عن علي (عليه السلام) فقال: خير هذه الأئمة بعد نبيها, ولا يشك فيه إلا منافق ).
فما حال من قَاتَلَ رجل يروي عنه الصحابة ( جابر وعائشة وحذيفة ) وغيرهم حديث غاية في الجلال ورفعة الحال.
وفي قبال ذلك لم نرو عن سول الله بحق معاوية إلا اللعن والإقصاء. فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) كما في الغدير 10/142 ( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ),
وعلى هذا فَـقـِس !!
ودمتم في رعاية الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليق على الجواب (1)
السلام عليكم..
بالنسبة للآية الكريمة:
(( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا فَإِن بَغَت إِحدَاهُمَا عَلَى الأُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَت فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا بِالعَدلِ وَأَقسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ )) (الحجرات:9) هل (( المؤمنين )) تعني المؤمنين حقا أم المسلمين؟
إذ كيف يتم الاقتتال بين فئتين من المؤمنين؟
خصوصا أن سبب نزول الآية هي حادثة المنافق ابن أبي سلول
أتمنى منكم التوضيح...
وشكرا
الجواب:
الأخ محمد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يدل قوله تعالى: (( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا )) (الحجرات:9)، على أنهما إذا اقتتلا بقيا على الإيمان ويطلق عليهما هذا الاسم، بل لا يمتنع أن تفسق إحدى الطائفتين أو يفسقا جميعاً.. ولذلك قال: (( فَإِن بَغَت إِحدَاهُمَا عَلَى الأُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبغِي )) (الحجرات:9) فإن الفئة الباغية بعد البغي لا تكون مؤمنة ولا يكون أفرادها مؤمنين، فكأن المعنى من قوله (( مِنَ المُؤمِنِينَ )) أنهما على ظاهر الإيمان حيث أن كل منهما تدّعي أنها على الحق والهدى.
ثم لو سلمنا فلا مانع من اقتتال المؤمنين على أمر غير أصول الدين أو فروعه الضرورية أو الرئيسية المسلمة فهم بالنهاية غير معصومين فيمكن أن يتقاتلوا مختلفين على أرض أو مال أو أي حق آخر أو حتى على مسألة فقهية لا تخدش بالإيمان، نعم لا يجتمع إيمانهما بعد بغي احداهما، والآية لا تثبت إيمان كل من تقاتل من المسلمين، وانما يجب اثبات ذلك من خارج من أدلة أخرى فتأمل.
ودمتم في رعاية الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصيدة في الدفاع عن القران الكريم

                             هيهات لا يعتري القرآن تبديل ... وإن تبدل توراة وإنجيل                          قل للذين رموا هذا الكتاب بما ......