الخميس، 4 فبراير 2016

سؤال هل إنّ مسألة الخلافة متعلّقة بالعقيدة أم بالفقه؟

الذي نفهمه من السؤال هو: المسألة التي يبحثها الكلاميون بأنّ الإمامة أو الخلافة هل هي من الأُصول أم من الفروع؟
وللإجابة نقول: اتّفق كلا الفريقين - السُنّة والشيعة - على أهمية نصب إمام بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولكنّهم اختلفوا في جعل الإمامة من الأُصول أو الفروع.. 


فمثلاً قالت الإمامية: الإمامة أصل من أُصول الدين (أي أنّها فيما يتعلّق بالعقيدة), وجعلوها من توابع النبوّة، باعتبار أنّها استمرار لوظائف الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حفظ الدين، وليست نفس الرسالة أو النبوّة.
وقد وافق الإمامية في ذلك بعض الأشاعرة، كالقاضي البيضاوي))(1).. وعن بعضهم، كالتفتازاني، قال: لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق(2). وعلى أيّة حال إنّ المشهور بين أهل السُنّة كونها من المسائل الفرعية.

أمّا كون الإمامة أصل من أُصول الدين، فإنّنا يمكن أن نثبته لإخواننا أهل السُنّة من كتبهم ومصادرهم؛ فقد دلّ على ذلك الحديث الصحيح المروي عن النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، وهذا الحديث أرسله التفتازاني إرسال المسلّمات في كتابه (شرح المقاصد)(3).
وقد أخرج مسلم في (صحيحه), والبيهقي في (السُنن), والطبراني في (المعجم الكبير), والهيثمي في (مجمع الزائد)، والألباني في (السلسلة الصحيحة)، وغيرهم. عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)(4)..
وأيضاً أخرج أحمد في (المسند), وأبو داود الطيالسي في (مسنده), والهيثمي في (مجمع الزوائد), والمتّقي الهندي في (كنز العمّال)، وغيرهم: عن النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية)(5)..

وفي رواية أُخرى أخرجها ابن أبي عاصم في (كتاب السُنّة)، والهيثمي في (مجمع الزوائد): أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية)(6).
وهذه الروايات المتقدّمة إمّا صحيحة سنداً أو حسنة الإسناد وبعضها ضعيفة, وإذ لايمكن الطعن بأسانيدها جمعاء بأي حال من الأحوال, فهي حجّة في مقام الاحتجاج.. ودلالة هذه الأحاديث واضحة, فهي تدلّ على وجوب وجود إمام حيّ حاضر؛ لأنَ الميت الغابر لا تتحقّق إمامته، ومن مات من دون إمام حيّ حاضر مات ميتة جاهلية، حاله كحال من مات قبل الإسلام.. وهذا المعنى واضح لا يحتاج إلى كثير بيان.

ونكتفي بما ذكره ابن حجر في (فتح الباري) في سياق ذكره لرواية مسلم المتقدّمة, قال: ((والمراد بـ(الميتة الجاهلية)، وهي بكسر الميم: حالة الموت، كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع؛ لأنّهم لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنّه: يموت كافراً، بل يموت عاصياً، ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه: أنّه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن هو جاهلياً))(7). انتهى كلام ابن حجر, وهو واضح كوضوح الحديث الذي يتناول شرحه.
ومن هنا, فقد بيّن علماء أهل السُنّة هذا الأمر في كتب العقائد دون كتب الفروع والعبادات, ممّا يمكن الاستفادة منه هذه المسألة في واقعها مسألة عقائدية وليست من المسائل الفقهية المنفصلة عن الاعتقاد, وإن حاول بعضهم الالتفاف على هذا المعنى.
ودمتم في رعاية الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الابتهاج في شرح المنهاج 2: 295 الكتاب الثاني في السنّة، الباب الأوّل، الفصل الثاني.
(2) انظر: شرح المقاصد 2: 271 المقصد السادس، الفصل السابع.
(3) شرح المقاصد 2: 275 المقصد السادس، الفصل السابع.
(4) صحيح مسلم 6: 22 كتاب الإمارة، السُنن الكبرى 8: 156 كتاب قتال أهل البغي، المعجم الكبير 19: 335 ذكوان أبو صالح السمان عن معاوية، مجمع الزوائد 5: 218 كتاب الخلافة، السلسة الصحيحة 2: 677(984).
(5) مسند أحمد 4: 96 حديث معاوية بن أبي سفيان، مسند أبي داود الطيالسي: 259 زيد بن أسلم عن ابن عمر، مجمع الزوائد 5: 218 كتاب الخلافة، كنز العمّال 6: 65 حديث(14863).
(6)كتاب السُنّة: 489(1057)، مجمع الزوائد 5: 225 كتاب الخلافة.
(7) فتح الباري 13: 5 كتاب الفتن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصيدة في الدفاع عن القران الكريم

                             هيهات لا يعتري القرآن تبديل ... وإن تبدل توراة وإنجيل                          قل للذين رموا هذا الكتاب بما ......