1 - الشهرستاني محمد بن عبد الكريم صاحب كتاب الملل والنحل من أهل شهرستان : وهي بليدة بين نيسابور وخراسان ، إن هذا الرجل قد كتب عن الفرق الإسلامية فخلط وخبط خبط عشواء وافترى ونسب أمورا بدون علم وتثبت حتى شحن كتابه بزاد موبوء ، وخلف تركة من الإفتراء تأخذ منها الأقلام والله تعالى سائله عن ذلك وقبل أن أقدم لك نماذج من كتاباته أود أن أذكر لك بعض آراء قومه فيه .
أ - الإمام الرازي : يقول في كتابه مناظرات مع أهل ما وراء النهر : المسألة العاشرة متحدثا عن كتاب الملل والنحل ، إنه كتاب حكى فيه مذاهب أهل العالم بزعمه إلا أنه غير معتمد عليه لأنه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمى بالفرق بين
الفرق من تصانيف الأستاذ أبي منصور البغدادي وهذا الأستاذ كان
شديد التعصب على المخالفين ولا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه الصحيح ، ثم أن
الشهرستاني نقل مذاهب الفرق الإسلامية من ذلك الكتاب فلهذا السبب وقع فيه الخلل
في نقل هذه المذاهب ( 1 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) معجم البلدان ج 3 ص 377 . ( *
)
* ( هامش ) *
|
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد
الوائلي ص 100
|
هذا عن مدى توثيقه بالنقل ، أما دينه وصدقه فيقول فيه بعض
قومه ما يلي : ب - ياقوت الحموي في معجمه : مادة شهرستان قال : ولولا تخبطه أي
الشهرستاني في الاعتقاد وميله إلى هذا الإلحاد لكان هو الإمام ، وكثيرا ما كنا
نتعجب من وفور فضله
وكمال عقله كيف مال إلى شئ لا أصل له واختار أمرا لا دليل
عليه لا معقولا ولا منقولا ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإيمان
وليس ذلك إلا لإعراضه عن نور الشريعة واشتغاله بظلمات الفلسفة وقد حضرت عدة
مجالس من وعظه فلم يكن فيها قال الله ولا قال رسول الله ولا جواب من المسائل
الشرعية والله أعلم بحاله ( 1 ) .
وبعد تقييم الشهرستاني من قبل قومه أذكر لك شيئا مما كتبه عن
الشيعة لتعرف مدى صدقه ووثاقته يقول عن الإمامية إنهم لم يثبتوا في تعيين
الأئمة بعد الحسن والحسين وعلي بن الحسين على رأي واحد بل اختلافاتهم أكثر من
اختلافات الفرق كلها
إلى أن قال : إن الإمام الصادق برئ من خصائص مذاهب الرافضة
وحماقاتهم من القول بالغيبة ، والرجعة ، والبداء ، والتناسخ ، والحلول ،
والتشبيه ، لكن الشيعة بعده أي بعد الصادق ( ع ) افترقوا وانتحل كل واحد منهم
مذهبا ( 2 ) .
إن كل من له إلمام بتاريخ الإمامية من الشيعة يعلم أنهم لم
يختلفوا في تسلسل الأئمة ابتداء من الإمام علي ( ع ) حتى الإمام الثاني عشر
محمد بن الحسن ( ع ) والإمامية على ذلك منذ وجدوا ، أما ما ذكره من أن الإمام
الصادق ( ع ) تبرأ من
حماقات الشيعة فهو محض افتراء ولم يحدث قط فإن أهل البيت أدرى
بما فيه ، ولو كان هنالك شئ من هذا القبيل لذكره غير الشهرستاني أما ما تفضل به
على
* ( هامش ) *
( 1 ) المناظرات للرازي ص 25 بتوسط الإمام الصادق ج5 ص 48 . ( 2 ) الملل والنحل هامش الفصل ج1 ص 193 ، وحتى ج 2 ص 3 . ( * ) |
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد
الوائلي ص 101
|
الشيعة من هذه العقائد التي ذكرها كالتناسخ والحلول والتشبيه
فإن الواقع يكذبه وهذه كتب الشيعة تملأ المكتبات فليذكر لنا أين آرائهم
بالتناسخ اللهم إلا أن يكون كلامه عن أمة بائدة كانت تقول بذلك قبل هذا . نعم ،
الشيعة تقول بغيبة المهدي عن المعرفة
بمعنى أنه يرى ولا يعرف فهو موجود بين الناس ولكن لا يعرفونه
وهو يدلي برأيه أحيانا مع بعض الآراء وقد استفادوا ذلك من جملة من الأخبار التي
أوردها علماء المسلمين من السنة والشيعة كالترمذي وابن ماجة وأبي داود وابن حجر
وغيرهم
ويكفيك الفصل الذي كتبه ابن حجر في
الصواعق فراجعه وسنشرح ذلك فيما يأتي من فصول هذا الكتاب ، كما يعتقد
الشيعة بالبداء مستفيدين ذلك من الكتاب والسنة : فالكتاب كقوله تعالى : *
( يمحو الله ما يشاء ويثبت
وعنده أم الكتاب ) *
الرعد / 39 .
وأما السنة فمثل ما رواه البخاري في الصحيح عن النبي ( ص ) أن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا الخ ( 1 ) .
وكما روى الصدوق في كتابه إكمال الدين
وإتمام النعمة بإسناده عن الإمام الصادق ( ع ) : من زعم أن الله عز وجل
يبدو له في شئ يعلمه أمس فابرؤا منه ( 2 ) .
والبداء عند الشيعة بمعنى
الإظهار لا بمعنى أن الله يعلم بعد جهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، أي أن
علم الله تعالى تعلق بوقوع أمر في الخارج ولكن بشرط موقوفيته على عدم تعلق
مشيئة الله تعالى بخلافه . وهذا هو مورد البداء ومحل البداء من أقسام القضاء
الإلهي .
ونظرا لأهمية موضوع البداء وما ثار حوله من نزاع بين المسلمين
فإني أحيل
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج4 ص 146 باب ما ذكر عن بني إسرائيل . ( 2 ) البيان للخوئي ص 390 . ( * ) |
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد
الوائلي ص 102
|
القارئ إلى فصل مهم ممتع كتبه الإمام الخوئي في كتابه البيان
مقدمة تفسير القرآن ( 1 ) .
أما موضوع الرجعة عندهم فهو
مجرد فهم من كتاب الله تعالى لبعض الآيات ولمضمون تلك الآيات ، ذلك بالإضافة
إلى روايات كثيرة تدعم تلك المضامين ، وهي : أعني الرجعة ليست من ضروريات
الإسلام عندهم . وبوسع القارئ الرجوع
لى قوله تعالى : * (
يوم نحشر من كل أمة فوجا )
* النحل / 83 . وقوله تعالى : *
( وحشرناهم فلم نغادر منهم
أحدا ) * الكهف
/ 47 .
فقد ورد في كثير من التفاسير عند الجمع بين الآيتين ما يفيد
أن هناك حشرا قبل الحشر الأكبر وفيه روايات عن أهل البيت ، وقد عقد الشيخ
الصدوق في كتابه الإعتقادات فصلا عن الرجعة ذكر فيه دلالة الآيات والأحاديث على
ذلك وقال في آخره
مستدلا بقوله تعالى : * (
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى
وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون )
* النحل / 38 ، ثم يقول بعد هذه الآية مباشرة :
ليبين لهم الذي يختلفون فيه ، والتبيين إنما يكون في الدنيا لا في الآخرة
فالآية واردة في الرجعة كما فهم منها الصدوق ، إلى أن يقول
الصدوق منبها إلى أن البعض قد يفهم من عقيدة الشيعة القول بالتناسخ فيقول في
ذلك والقول بالتناسخ باطل ومن دان بالتناسخ فهو كافر لأن في التناسخ : إبطال
الجنة والنار ، إنتهى كلامه ( 2 ) .
فالمسألة في الرجعة إذا لا تعدو فهما من كتاب الله تعالى
بإمكان وقوع رجعة في فترة ومعينة وكل ذلك لا يستوجب هذه الجلبة والضوضاء في كتب
السنة ، وكم
* ( هامش ) *
( 1 ) البيان للخوئي ص 385 فصاعدا . ( 2 ) الشيعة والرجعة للطبسي ج2 ص 248 . ( * ) |
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد
الوائلي ص 103
|
من آراء لأهل السنة سنمر إن شاء الله على بعضها وهي قد تستوجب
ضجة ولكن كتاب الشيعة يعالجونها من زاوية علمية بدون تهريج ويحترمون فهم كل
كاتب ما دام له منشأ انتزاع من نص من القرآن أو السنة ،
وأعود بعد ذلك للشهرستاني فهو عندما يعدد الأئمة يقول : إن
الشيعة ساقوا الإمامة بعد موسى بن جعفر فقالوا والإمام بعده علي بن موسى الرضا
ومشهده بطوس ثم بعده محمد التقي وهو بمقابر قريش ثم بعده علي بن محمد النقي وهو
مشهده بقم ،
وبعده الحسن العسكري الزكي وبعده ابنه محمد القائم المنتظر ،
هذا هو طريق الاثني عشرية ( 1 ) وكل الباحثين
يعلمون أن الشيعة لا يقولون إن ابن محمد النقي مدفون بقم لأنه مدفون بسامراء
ويزوره الآن الناس والمدفونة بقم شقيقة الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين .
2 - ابن حزم الأندلسي : هذا النموذج الثاني الذي أقدمه وهو من الذين سلطوا لسانهم على المسلمين إنه علي بن أحمد بن حزم الأندلسي الفارسي وهو من موالي يزيد بن معاوية وحسبه بذلك شرفا وأول من دخل الأندلس من أجداده جده خلف .
وكان ابن حزم في أول أمره شافعيا ثم انتقل إلى الظاهرية ، وله
كتب كثيرة منها الفصل في الملل والنحل والمحلى
وغيرهما ، ولهذا الرجل قدرة عجيبة على الافتعال والاختلاق وله جرأة في التهجم
على الناس تكشف عن عدم ورع وعدم التزام
بالصدق وسأذكر قبل ذكر أقواله آراء قومه فيه وتقييمهم له :
فقد قال فيه أبو العباس بن العريف : إن لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان .
وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان فيما كتبه عنه في فصل
طويل منه قوله : ومما يزيد في بغض الناس له حبه لبني أمية ماضيهم وباقيهم
واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب . وقال ابن العماد الحنبلي كان ابن
حزم كثير الوقوع في العلماء والمتقدمين لا
* ( هامش ) *
( 1 ) الملل والنحل فصل الشيعة . ( * ) |
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد
الوائلي ص 104
|
يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت منه القلوب . ويقول عنه مصطفى
البرلسي البولاقي : أما ابن حزم فالعلماء لا يقيمون له وزنا كما نقله عنهم
المحققون كالتاج السبكي وغيره لأنه وأصحابه ظاهرية محضة تكاد عقولهم أن تكون
مسخت ومن وصل إلى
أن يقول إن بال الشخص في الماء تنجس ، أو في إناء ثم صبه في
الماء لم يتنجس ، كيف يقام له وزن ويعد في العقلاء فضلا عن العلماء ، ولابن حزم
هذا وأضرابه من أمثال هذه الخرافات الشئ الذي لا ينحصر ، ومن تأمل كذبه عن
العلماء ولا سيما
إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري علم أن الأولى به وبأمثاله
أن يكونوا في حيز الإهمال وعدم رفع رأس لشئ صدر منه ، راجع فيما كتبناه عن ابن
حزم المراجع أدناه فقد أفاضت في ترجمته وشرح حاله ( 1 )
.
وبعد شهادة هؤلاء الأعلام التي هي في الواقع رمز لمحصلة الآراء عن ابن حزم عند العلماء فإني لا أستكثر عليه أن يقول في آخر الفصل الذي كتبه عن الشيعة : والقوم يعني الشيعة بالجملة ذووا أديان فاسدة وعقول مدخولة وعديموا حياء نعوذ بالله من الضلال ( 2 ) .
فإذا كان هذا وأمثاله كالشهرستاني هم الذين يكتبون عن عقائد وفقه وسلوك الفرق الإسلامية فهل يمكن للأجيال أن تثق بتاريخها وسيرة أسلافها والأنكى من ذلك أن الذين ينتقدون الشهرستاني وابن حزم وأمثالهما فإنهم إنما يحملون عليهم إذا وخزوهم أو شتموهم ، أما إذا شتم الشهرستاني أو ابن حزم غيرهم كالشيعة مثلا فهو صادق وتؤخذ أقواله ولا تثير حساسية .
* ( هامش ) *
( 1 ) شذرات الذهب ج3 ص 299 ، والسيف اليماني للبرلسي رسالة صغيرة مع عدة رسائل ، ووفيات الأعيان ج1 ص 369 ، ولسان الميزان ج 4 ص 199 فصاعدا . ( 2 ) الفصل في الملل والنحل ج 4 ص 181 . ( * ) |
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد
الوائلي ص 105
|
مثال ثالث وسترد علينا أمثلة لذلك
، ولكني أستعجل لك مثلا واحدا منها يعيش في القرن العشرين في عصر الذرة وتحت
أروقة جامعة حديثة وهو محمد حسن هيتو محقق كتاب المنخول
للغزالي فإن هذا الرجل عندما يمر ببعض المواقف الحدية
للغزالي من بعض المذاهب الإسلامية كالإمام مالك والإمام أحمد
بن حنبل والإمام أبي حنيفة فيذكر بعض آرائهم ناقدا لها حينا ومستهجنا حينا آخر
، مثلا يذكر الغزالي عن أبي حنيفة رأيه في أقل الصلاة وهي : وضوء بالنبيذ في
أولها وحدث في آخرها
للخروج منها وبين ذلك نقر كنقر الغراب واكتفاء من القراءة
بكلمة مدهامتان باللغة الفارسية إلى آخر ما ذكره عن أقل الصلاة
في رأي أبي حنيفة ، وكما ذكر رأي مالك بجواز قتل ثلث الناس إذا كان ذلك يؤدي إلى صلاح الثلثين الباقيين ، وهكذا آراء
في رأي أبي حنيفة ، وكما ذكر رأي مالك بجواز قتل ثلث الناس إذا كان ذلك يؤدي إلى صلاح الثلثين الباقيين ، وهكذا آراء
بعض الأئمة التي ذكرها . إننا في مثل هذا نرى محمد حسين هيتو
يقع في ورطة فلا يدري أينفي ذلك وفيه تكذيب للغزالي ، أم يثبت ذلك وفيه طعن على
أئمة المذاهب ، فتراه مرة يقول إن هذه الأقوال نتيجة لمرحلة مر بها الغزالي ،
وتخلص منها
بعد ذلك ، ومرة يقول إن الغزالي فرد من مدرسة تؤيد أهل الحديث
وتطعن في أهل الرأي وإن ذلك تعصب أقلع عنه الغزالي بعد ذلك كما هو واضح في
مؤلفاته التي صدرت بعد ذلك كالمستصفى المتأخر عن المنخول ، على أن هذا الإعتذار
لا يحل
المشكلة التي هو كون الغزالي إما صادقا وإما كاذبا . إن الذي
يعنينا هنا أن هيتو إذا مر الغزالي بالرافضة وشتمهم لا نجده يعلل ذلك الشتم
بعصبية أو غيرها كأن الشيعة يستأهلون الشتم بدون نزاع وكأن الحرص على وحدة
المسلمين ليس من موارده
هذا المورد هنا إذا كان الشيعة مسلمين في نظر هؤلاء وإلا
فالمسألة سالبة بانتفاء الموضوع كما يقول علماء المنطق ، وعلى كل ألفت النظر
إلى ما كتبه هيتو عن الغزالي ( 1 ) : والله
المستعان على ما يصفون .
* ( هامش ) *
( 1 ) المنخول للغزالي ص 354 ، و 488 . ( * ) |
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد
الوائلي ص 106
|
وعودا على بدء نقول إن ما قدمناه من
شواهد وأمثلة كاف في تحديد موقع السنة من الفرس وتحديد مكان التشيع من العروبة
لمن يعتبر هذا سبة وذلك فضيلة ، أما المسلم الذي شعاره شعار القرآن فإن
المسلمين عنده أكفاء بأموالهم ودمائهم وأعراضهم
وأنسابهم ، وإذا كانت هناك آثار متولدة من وحدة العرق والدم
فإنها سواء عند الفارسي الشيعي والفارسي السني ولا يمكن التفرقة بين الشئ ونفسه
، وإلى هنا نكون قد أعطينا صورة عن الهوية العرقية للتشيع والتسنن وبوسع طالب
المزيد أن يتخذ من هذه الدراسة منهجا وينحو هذا النحو في التوسع بالدراسة
المختصة بهذا الموضوع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق