السؤال:
شيخنا الجليل
ما هو مقصود امير المؤمنين عليه السلام من هذه الرواية :
توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة
فماالمقصود بـ( بينونة صفة لا بينونة عزلة
و هناك من يستدل بهذه الروايةلإثبات إحدى عقائد الصوفية المشهورة ..
الجواب:
بسم الله الرحمان الرحيم... والصلاة على سيدنا محمدٍ وآله الطاهرين
والسلام عليكم.
الرواية الشريفة لم ترو في نهج البلاغة وإنما رواها ثلة من علماء الإمامية كالسبزواري في كتابه شرح الأسماء الحسنى، وملا صدرا في الحكمة المقالية، وقد إعتمدوا عليها في بيان توحيد الباري عز إسمه عن الجسمية والشرك به.
ومعنى قوله عليه السلام: (توحيده تمييزه عن خلقه) أي أن سبحانه ممتاز عن خلقه بالحقيقة في جميع شؤونه، ولا مشاركة بينه وبين خلقه بوجهٍ من الوجوه، وكينونته على خلاف طبيعة مخلوقاته، وهذا الأمر مطلق بلا تقييد...
وقوله عليه السلام: (وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة) يعني أن تمييزه عز وجل عن سائر خلقه إنما يكون بمخالفة بالصفات الذاتية التي لا يمكن إنفصالها عن ذاته، فصفاته عين ذاته، فعلمه ذاته وذاته علمه، فلا إثنينية بين الصفات والذات الإلهية وهذا بخلافة عند مخلوقاته، إذ أن صفاتهم ليست ملازمة لذواتهم فلا ملازمة بين الإنسان – مثلاً – وبين صفة العلم، فعلمه زائد على ذاته وطارئ عليه، أما علم الله تعالى جزء من ذاته غير طارئ عليها بل ملازم لها، فهو متمايز عن خلقه بالصفات والذات، فهو معهم لا بمجانسة وإنما بإحاطة، فتمييزه عنهم لا يخرجه عن إعتزالهم (وهو معكم إينما كنتم) فهو مع خلقه لا بملامسة منه لهم ومتعالي عنهم بلا تباعد منهم كما ذكر سيد الموحدين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبةٍ له قال: (الحمد لله والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حدٌ ينتهي إلى حده) التوحيد/33 للصدوق.
وكما جاء في خطبة أخرى: (أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف،وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة) أي أن صفات المخلوق غير صفات الله عز إسمه، لأن صفاته ذاتيه لا تنفك عن الذات أبداً فهي دائماً مع الذات، فهو مباين لخلقه بصفاته التي هي عين ذاته، ومباينته عنهم ليست بينونة عزلة وإبتعاد بل بينونة بالكُنه والماهية...
وبعبارةٍ أخرى: إن المباينة الصفتية تعني أن كل صفة وحكم يجري على الله عز إسمه وتقدس مجده لا يجري ولا يطلق على ما سواه من الخلق، وكذلك كل نعتٍ وتقديس لله تعالى لا يطلق على ما سواه... روي الصدوق رحمه الله تعالى في التوحيد / 74 عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين علي (ع) في خطبة له بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك حينما فرغ من جمع القرآن: (الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده(1) وحجب العقول عن أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته، ولم يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن) فقوله عليه السلام: "فارق الأشياء" ليس المراد منه المفارقة المكانية... كيف! وإلا لخلا منه المكان الذي فارقه، بل المراد أن كنهه تفريق بينه وبين خلقه...
والخلاصة: إن معنى قوله (وحكم التمييز بينونة صفة...) هو أنه عز وجل داخل في الأشياء بلا ممازجة وخارج عن الأشياء بلا مباينة، داخل لا كدحول شيء في شيء، وخارج لا كخروج شيء عن شيء، بالمطلق لا يقبل التجزي والتقدر وهو باقٍ على إطلاقه لأنه في السماء إله وفي الأرض إله، وبهذا ينكشف سر ما قاله قبلة العارفين وسيد الموحدين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في قوله الشريف (وتوحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة) فإرتفاع بينونة العزلة عن خلقه هو سر كون حقيقته مباينة لسائر الماهيات، فليس بخارج منها بملامسة بل هي أطواره وشؤونه فلا يكون لها تأثير فيه لأنه غير عن العالمين...
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم...
هذا جواب آية الله العلاّمة المحقِّق الشيخ محمد جميل حمود العاملي
شيخنا الجليل
ما هو مقصود امير المؤمنين عليه السلام من هذه الرواية :
توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة
فماالمقصود بـ( بينونة صفة لا بينونة عزلة
و هناك من يستدل بهذه الروايةلإثبات إحدى عقائد الصوفية المشهورة ..
الجواب:
بسم الله الرحمان الرحيم... والصلاة على سيدنا محمدٍ وآله الطاهرين
والسلام عليكم.
الرواية الشريفة لم ترو في نهج البلاغة وإنما رواها ثلة من علماء الإمامية كالسبزواري في كتابه شرح الأسماء الحسنى، وملا صدرا في الحكمة المقالية، وقد إعتمدوا عليها في بيان توحيد الباري عز إسمه عن الجسمية والشرك به.
ومعنى قوله عليه السلام: (توحيده تمييزه عن خلقه) أي أن سبحانه ممتاز عن خلقه بالحقيقة في جميع شؤونه، ولا مشاركة بينه وبين خلقه بوجهٍ من الوجوه، وكينونته على خلاف طبيعة مخلوقاته، وهذا الأمر مطلق بلا تقييد...
وقوله عليه السلام: (وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة) يعني أن تمييزه عز وجل عن سائر خلقه إنما يكون بمخالفة بالصفات الذاتية التي لا يمكن إنفصالها عن ذاته، فصفاته عين ذاته، فعلمه ذاته وذاته علمه، فلا إثنينية بين الصفات والذات الإلهية وهذا بخلافة عند مخلوقاته، إذ أن صفاتهم ليست ملازمة لذواتهم فلا ملازمة بين الإنسان – مثلاً – وبين صفة العلم، فعلمه زائد على ذاته وطارئ عليه، أما علم الله تعالى جزء من ذاته غير طارئ عليها بل ملازم لها، فهو متمايز عن خلقه بالصفات والذات، فهو معهم لا بمجانسة وإنما بإحاطة، فتمييزه عنهم لا يخرجه عن إعتزالهم (وهو معكم إينما كنتم) فهو مع خلقه لا بملامسة منه لهم ومتعالي عنهم بلا تباعد منهم كما ذكر سيد الموحدين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبةٍ له قال: (الحمد لله والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حدٌ ينتهي إلى حده) التوحيد/33 للصدوق.
وكما جاء في خطبة أخرى: (أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف،وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة) أي أن صفات المخلوق غير صفات الله عز إسمه، لأن صفاته ذاتيه لا تنفك عن الذات أبداً فهي دائماً مع الذات، فهو مباين لخلقه بصفاته التي هي عين ذاته، ومباينته عنهم ليست بينونة عزلة وإبتعاد بل بينونة بالكُنه والماهية...
وبعبارةٍ أخرى: إن المباينة الصفتية تعني أن كل صفة وحكم يجري على الله عز إسمه وتقدس مجده لا يجري ولا يطلق على ما سواه من الخلق، وكذلك كل نعتٍ وتقديس لله تعالى لا يطلق على ما سواه... روي الصدوق رحمه الله تعالى في التوحيد / 74 عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين علي (ع) في خطبة له بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك حينما فرغ من جمع القرآن: (الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده(1) وحجب العقول عن أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته، ولم يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن) فقوله عليه السلام: "فارق الأشياء" ليس المراد منه المفارقة المكانية... كيف! وإلا لخلا منه المكان الذي فارقه، بل المراد أن كنهه تفريق بينه وبين خلقه...
والخلاصة: إن معنى قوله (وحكم التمييز بينونة صفة...) هو أنه عز وجل داخل في الأشياء بلا ممازجة وخارج عن الأشياء بلا مباينة، داخل لا كدحول شيء في شيء، وخارج لا كخروج شيء عن شيء، بالمطلق لا يقبل التجزي والتقدر وهو باقٍ على إطلاقه لأنه في السماء إله وفي الأرض إله، وبهذا ينكشف سر ما قاله قبلة العارفين وسيد الموحدين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في قوله الشريف (وتوحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة) فإرتفاع بينونة العزلة عن خلقه هو سر كون حقيقته مباينة لسائر الماهيات، فليس بخارج منها بملامسة بل هي أطواره وشؤونه فلا يكون لها تأثير فيه لأنه غير عن العالمين...
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم...
هذا جواب آية الله العلاّمة المحقِّق الشيخ محمد جميل حمود العاملي