الاثنين، 12 سبتمبر 2016

الشيخ البهائي مهندس نصف العالم

"الشيخ البهائي" مهندس "نصف العالم"

"وقفت تحت قبة مسجد شاه وصفقت مرة واحدة، فإذا بالصدى يعيد التصفيق 7 مرات.
وقفت على مئذنة "منارة جمجم"وهززتها، فإذا بها تهتز، ثم تهتز المئذنة المقابلة، ثم يهتز البناء كله.
طفت حول البركة الواسعة في قصر الأربعين عموداً (جهل ستون) لأرى عجائب هندسة العشرين عموداً التي تظهر في المياه في أي زاوية وقفت من زوايا البركة الواسعة.
صعدت سلالم بناية «علي قابو» التي تبدو من الخارج طابقين، فإذا هي في داخلها سبعة طوابق، وخصص طابقها الأعلى لغرفة الموسيقى فعندما كان يدخلها الموسيقيون فيعزفون ساعة أو أكثر ثم يخرجون ويقفلون الباب وراءهم، وعندما يأتي السلطان، يفتح الباب ويدخل مع نسائه، فيعود صدى الموسيقى يتردد طوال الليل حتى يقفل الباب.
وسمعت الحديث عن المياه الساخنة الأزلية وكيف حرم منها أهل المدينة بسبب الفضول الإنكليزي."
بهذه المقدمة يستهلّ الأستاذ كمال سنو مقاله في جريدة "النهار" البيروتية حول مدينة أصفهان التي زارها في العام 1961، ليكتب عن الآثار العجيبة التي يتوارثها الإيرانيون جيلاً بعد جيل.
لا يستعين هذا الصحافي بخياله حيث يتحدث عن "الأعاجيب" (كما يسميها) التي رآها في أصفهان إنما عن واقع عاشه ولامسه وجربه ولو لم يكن كذلك لما صدقه، ثم يعيد كل تلك الأعاجيب إلى عالم اسمه " الشيخ البهائي".
عُرف الشيخ البهائي عالماً وفقهياً وفيلسوفاً وحكيماً وأديبا ًوشاعراً ورياضياً ... وعُرف أيضاً مهندساً، فهو الذي صمم المعالم الرئيسية الحضارية للدولة الصفوية التي كانت عاصمتها أصفهان بأمر حاكمها الشاه عباس الصفوي، وتكريماً و اعترافاً بانجازاته الهندسية أعلن المجلس الاعلى للثورة الثقافية في ايران يوم 23 نيسان من كل عام يوماً للمهندس المعماري الوطني بمناسبة ميلاد الشيخ البهائي، الذي اشتهر بهذا الإسم، لصفاء دينه وعقله وفكره وسلوكه، وهو يمثل واحدا من النخبة العلمية و الفقهية التيانطلقت من جبل عامل.
فمن هو هذا العالم؟
هو بهاء الدين، محمّد بن عزّ الدين حسين بن عبد الصمد...،كانت أُسرته تُلقّب بـ "الحارثيّ والهَمْدانيّ والجَبعيّ". جده الحارث الهَمْدانيّ أحد خواصّ أمير المؤمنين عليه السّلام.
وُلد سنة 953 هـ في بعلبك بلبنان، ونشأ في ظلّ والده الشيخ عزّ الدين الذي كان عالماً محقّقاً جامعاً أديباً. انتقل الشيخ البهائيّ مع والده ـ وهو صغير ـ إلى بلاد فارس، وهناك أخذ عن والده وغيره من أفاضل العلماء. وقد عاش في عهد الدولة الصفويّة التي شهدت حركةً علميّة واسعة يومذاك.
تولَّي الشيخ البهائي مشيخة الإسلام في زمن الشَّاه عبَّاس الصفوي الكبير (حكم من عام 995 هـ - 1587 م حتى عام 1038 هـ - 1629)، وقد ارتبط هذان الاسمان، إلى أن توفي الشيخ في العام 1030 هـ - 1621 م، في أصفهان، ومنها نقل إلى المشهد الرضوي المقدَّس بحسب وصيته، حيث دُفن قرب الحضرة المقدّسة للامام الرضا (ع)، وقبره مشهور يزوره العامة والخاصة.
ترك "الشيخ البهائي" بصمات واضحة في آثار تلك المدينة العريقة (أصفهان) حتى أصبحت تُعرف "بنصف العالم" في عهدها الذهبي وحتى اليوم، وما زال عدد كبير منها قائما ً ليشهد على خبرة وبراعة هذا العالم، نذكر منها:
أجمل مسجد في العالم:مسجد شاه
والحقيقة التي يعترف بها الجميع أن مسجد شاه هو أجمل مسجد في العالم" كما يقول، حيث تعتبر واجهته التي ترتفع 48 متراً من أروع القطع الفنية، بألوانها الزاهية، وزخرفتها الأنيقة، وهندستها الرائعة وشكلها البديع. كما ترتفع فوقها مئذنتان إلى علو 52 متراً.
وقد استغرق بناء هذا المسجد 18 سنة (من 1612 إلى 1630) وجيء بالمرمر الذي استعمل في بنائه من أردستان التي تبعد مائة ميل عن أصفهان ولا يزال هذا المرمر يحتفظ بلمعانه حتى اليوم، وكأنه قطع من المرايا الصافية.
وفي المسجد ثلاث باحات للصلاة، وهناك باحة في الهواء الطلق، والباحات الثلاث الأخرى داخلية، وجميع الباحات حافلة بالنقوش البديعة، كما كتبت على الجدران الآيات القرآنية الكريمة.
والأعجوبة الهندسية في هذا المسجد تكمن تحت قبته العالية المسماة قبة الصدى،
وقد صممت بحيث ان صوت المؤذن يتضاعف إلى أضعاف مضاعفة من خلال  تردد الصوت على زوايا الحوائط، بالإضافة الى دراسة انعكاس الصدى بحيث يتردد الصوت الى سبع مرات في حال وقوف الشخص في نقطة محددة تحت القبة وهي النقطة المقابلة لذروتها.
المآذن الهزازة:
والاعجوبة التي لاتكاد تصدق في إيران هي «منارة جمجم»، وفيها مئذنتان، إذ يمكن للشخص أن يصعد للمئذنة الأولى ويهزها المقابلة دون إحداث أي ضرر أو عيب في البنا، وهذه المنارات المهتزة بنيت بإشراف الشيخ البهائي منذ 400 عام وحتى الآن لا يُعرف سر هندسة المنارات التي تهتز ولا تقع.
قصر الاربعين عموداً :قصر الأربعين عموداً
والمكان العجيب الآخرهو «جهل ستون» أو قصر الأربعين عموداً، وليس في القصر سوى عشرين عموداً، أما الأعمدة العشرون الأخرى فتنعكس صورتها في بركة الماء الفسيحة التي تمتد امام الأعمدة العشرين بحيث ترى ظلها في أي زاوية تقف عندها من زوايا البركة.
وكان هذا المكان عندما أنشئ استراحة خاصة للشاه عباس، ثم جعله مجلس العرش.
أما اليوم فيستعمل دائرة للآثار ومتحفاً.
موسيقى في الطابق السابع:مبنى علي قابو
وفي وسط ميدان شاه يقف مبنى علي قابو، المكان المفضل عند السلاطين الصفويين، وقد بناه الشاه عباس في القرن السادس عشر لينزل فيه ضيوفه من الأجانب، ثم جعله قصره يستقبل فيه السفراء والعظماء والزوار ويقيم فيه حريمه.
وقد زينت جدرانه بلوحات أنيقة جميلة، تعطي صورة صادقة عن فن الرسم الفارسي، ومعظمها يعكس فكرة الحب، وعندما جاء الحكم القاجاري قام بتغطية هذه الرسوم والنقوش. ولكن الحكم البهلوي أعاد النقوش إلى ما كانت عليه.
يتكون القصر من سبعة طوابق، ويتميز المدخل الرئيسي بزواياه (يمين وشمال المدخل) العاكستين للصدى، حيث يمكن سماع همس الشخص في احدى الزاويتين من شخص يقف في الزاوية الأخرى رغم المسافة الفاصلة بينهما.
أما أطرف وأغرب ما في هذا القصر هو الطابق السابع وتحديداً غرفة الموسيقى التي صممها الشيخ البهائي معتمداً على مبدأ (الصدى) حيث حفرت في الحائطتجاويف من الجص بأشكال وأحجام وأعماق مختلفة وإنحناءات في الخطوط و انفراجات الزوايا وفق مبدأ (إنعكاس الصوت)، فكان الموسيقيون يدخلون إلى هذه الغرفة ويعزفون الألحان التي يفضلها الشاه عباس، ويخرجون بعد ذلك ويقفلون الباب وراءهم، وعندما يأتي الشاه يفتح الباب ويجلس مع ندمائه ونسائه، فيعيد الصدى ما عزفه الموسيقيون، ويستمر الطرب والانشراح إلى أن يقفل الباب فتسكت الموسيقى.
ولا تزال هندسة غرفة الموسيقى سراً مغلقاً على الكثيرين، إذ كيف كانت تحتفظ هذه الغرفة بالأنغام ثم تعيدها؟          
المياه الأزلية الساخنة:
ويتحدثون في أصفهان عن المياه الأزلية الساخنة فيقولون أن الشيخ البهائي بنى حماماً عاماً كان يُعرف بحمام الشيخ البهائي والتي لاتزال آثاره موجودة في المدينة حيث استطاع تأمين حرارة الفرن بواسطة شمعة واحدة وضعت في علبة، وكانت الشمعة كفيلة بتأمين الحرارة اللازمة للتسخين، بما يعادل احتراق طن من الخشب، وقد احترقت الشمعة لفترة طويلة و امنت تسخين مياه للحمام وفقا للتعليمات الخاصة التي وضعها الشيخ البهائي، والتي نصت على وجوب عدم فتح العلبة حتى لاتنطفئ الشمعة لأنها لن تعود ثانية للعمل، حتى جاءت بعثة من العلماء الإنكليز فاستغربت مصدر المياه الساخنة وأخذت تبحث عنه، حتى وصلت إلى مكان وجدت فيه خزاناً كبيراً يصب فيه الماء، وقد حفر في الصخر، ووضعت تحته شمعة سوداء صغيرة مضاءة، طولها بضعة سنتمترات.
وأطفأ العلماء الإنكليز الشمعة وأخذوها إلى بلادهم ليحللوها، ولكنهم لم يستطيعواإعادة إشعالها، كما أنهم لم يستطيعوا معرفة المادة التي تتألف منها.
ولا تزال قصة هذه المياه الساخنة لغزاً من الألغاز في تاريخ أصفهان.
جسر "سي وسه بل":جسر سي سو يل جسر الثلاثة وثلاثون قنطرة
وهو أحد أبرز المعالم السياحية الأثرية في مدينة أصفهان حيث اعتاد الأصفهانيون اصطحاب ضيوفهم وزوار المدينة إليه في أول جولة سياحية لهم، وترجمته " ثلاثة وثلاثون قنطرة"، لقد صمم الشيخ البهائي هذا الجسر لمنع فيضات نهر(دزينده) وذلك عبر إحتساب كمية المياه منذ أوائل كانونالأول من كل عام ولمدة 197يوماً حتى انتهاء ذوبان الثلوج في الجبال المحيطة وإحتساب كمية مياه البحر لمدة 168 يوم قبل هذا التاريخ حيث وصل إلى إستنتاج أساسي لمنع الفيضان وإستغلال المياه بأن يقسم مجرى النهر إلى ثلاثة وثلاثين سهماً حيث تساوي قيمة السهم المائية خمسة أجزاء زمنية من اليوم، مما يضمن أن لا تغمر المياه الجسر وقد توصلت الأبحاث العلمية والعملية التي أجريت إلى نفس النتيجة التي توصل إليها الشيخ البهائي قبل 420 عاماً، مما يثبت المستوى والكفاءة العلمية التي وصل إليها هذا العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصيدة في الدفاع عن القران الكريم

                             هيهات لا يعتري القرآن تبديل ... وإن تبدل توراة وإنجيل                          قل للذين رموا هذا الكتاب بما ......